قل لنا: ما أنت؟

بقلم: محمد أكرم الندوي

بسم الله الرحمن الرحيم

قالوا: إنك ألفت الفقه الإسلامي على مذهب أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله تعالى وجمعت فيه أدلته، وألفت كتابًا في ترجمته، فأنت حنفي، ثم قالوا: ولكن رأيناك تجمع بين الصلاتين في السفر، وتفتي بجواز المسح على الجوربين، ولا تبالي إذا قلَّد تلاميذك إمامًا معينًا أم لم يقلدوا أحدًا، فأنت غير مقلد


وقالوا: إنك أشعري لأنك تخرجت في دار العلوم لندوة العلماء، وعامة المدارس في الهند أشعرية، ولكن رأيناك تشيد بالعلامة شبلي النعماني وتثني عليه وتبالغ في تقديره وتبجيله، وكان ماتريديا، فأنت ماتريدي، ثم رأيناك تُدرِّس العقيدة الطحاوية، وترد على الأشاعرة والماتريدية، وتُرجِّح مذهب السلف، فأنت سَلَفي.


وقالوا: إنك تصلي في جامع أوكسفور، وهو جامع للطائفة البريلوية، فأنت بريلوي، ولكن رأيناك تجلس إلى شيوخ ديوبند وكبار علمائها فأنت ديوبندي، ثم رأيناك تصلي الجمعة بالعرب وتخالطهم، وتأنس إليهم ويأنسون بك، وهم وهابيون، فأنت وهابي.

وقالوا: إنك تخرج مع جماعة الدعوة والتبليغ، فأنت تبليغي، ولكن رأيناك تنتقدهم روايتهم للأحاديث المنكرة والواهية، فأنت من الجماعة الإسلامية، وكثير من أصدقائك ينتمون إليها، وتزور مراكزها وتلقي فيها الدروس والمحاضرات، ثم رأيناك تحب حسن البنا الشهيد، وتثني على كتابه “مذكرات الدعوة والداعية”، وأنت معجب بكتاب “التصوير الفني في القرآن” و”مشاهد يوم القيامة” لسيد قطب، و”دعاة لا قضاة” لحسن الهضيبي فأنت إخواني.

وقالوا: إنك تقرأ “إحياء علوم الدين” للغزالي، وتقص منه على الناس، وتطالع “المثنوي” للرومي وتستشهد بأبياته الشعرية وتتواجد عليها فأنت صوفي، ولكن رأيناك تطعن في ابن عربي والقائلين بوحدة الوجود، وتنتقد أحوال أهل التصوف ومقاماتهم، وتتبرأ من مقالاتهم وشطحاتهم، فأنت من أتباع الإمام ابن تيمية وقد رأيناك تعظِّمه وتشجع أصحابك وتلاميذك على قراءة كتبه.

قالوا: قد شُبِّه علينا أمرك، فقل لنا ما أنت؟ هل تنتمي إلى فرقة من هذه الفرق، وتداري غيرها متسترا بالتقية؟ أم أنت لا مذهبي؟ أم أنت سياسي دبلوماسي تحافظ على مصالحك ومنافعك بالارتباط بكل حزب من الأحزاب المتكاثرة وبكل طائفة من الطوائف المتفرقة؟ فقل لنا: ما أنت؟

قلت: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى والبعث بعد الموت.

قالوا: لا نسألك عن ذلك، فنحن جميعًا نؤمن بما ذكرتَ، ولكن نسألك عن انتمائك، والاسم الذي تختاره لنفسك،

قلت: قال الله تعالى: “هو سماكم المسلمين”، فأنا مسلم ابن الإسلام أخو المسلم،

قالوا: زدتنا حيرة في أمرك، ولم نكن في لُبس فيك مثل اليوم.