(9) رحلة أمريكا

Reading Time: < 1 minute

بقلم: محمد أكرم الندوي

بسم الله الرحمن الرحيم

(يوم الأحد 17 شوال 1439هـ الموافق لـ 1 يوليو 2018هـ)

استيقظت الساعة الخامسة وصلينا الفجر جماعة، وجلست أكتب مذكراتي للسفر، وأحضر الأخ معز الدين محمد فنجانا من الشأي، وبعث به فيَّ روحا ونشاطا، فجزاه الله تعالى خيرا، وخرجت من غرفتي في الساعة التاسعة للفطور فإذا الأخ الكريم العالم النبيل الدكتور أبو زيد ينتظرني، وقد تكلف السفر من نيوجرسي إلى منيسوتا لصحبتي، وسافر إلي قديما في بريطانيا، واعتمر معي، وصحبني في رحلتي إلى المغرب وإسبانيا، وله عناية كبيرة بالعلم، وترجم عددا كبيرا من مقالاتي من العربية إلى الإنكليزية، وأرجوه أن يكون أحد المعلمين البارزين لهذا الدين في الغرب، ناشرا له في زهد وإخلاص، وصارفا هممه عن التنافس في الدنيا والتكالب عليها، اللهم اجعلنا علماء عاملين، ولا تجعلنا ممن ضل سعيه في الحياة الدنيا، وقرِّبنا إليك تقريبا، وبارك لنا في حباتنا وأعمالنا، آمين.

درس عن تعليم النساء:

واليوم لي درس أمام حشد كبير من الرجال والنساء حول ثقافة النساء في الماضي والحاضر والمستقبل، نسقته منظمة الرابطة في منيسوتا تحت قيادة الشيخة الفاضلة تمارا كري حفظها الله تعالى ونفع بها، وقد زارتني في معهد السلام بلندن في العام الماضي، وهي سيدة نشيطة صالحة مخلصة لرفع المستوى التعليمي بين النساء، ذات شيم كريمة، وأخلاق راجحة، وسجايا حميدة، وخلال من الخير زاكية العداد.

خرجنا من الفندق قبل الساعة العاشرة صباحًا، واتجهنا إلى مكتب الشيخة تمارا في مبنى يستعمل كمركز ثقافي تعليمي وتربوي للنساء، وفيه مكتبة تجارية تختص بالكتب التي يحتاج إليها الجالية المسلمة في الدراسات الإسلامية وغيرها من الموضوعات باللغة الإنكليزية، قامت بشخصها بتعريفنا بكل جناح من هذا المركز، ثم وجهت إلي أسئلة سجلت أجوبتها تتعلق بموضوع رسالتها للدكتوراة، وذكرت لي أنها استلهمت فكرتها عن تعليم النساء وتربيتهن من كتبي وكتاباتي.

وعقد برنامج درسي في مسجد قريب حضره أكثر من مائة رجل وامرأة من مينيسوتا ومن الولايات المختلفة، والحمد لله على رغبة الحضور في الدرس واهتمامهم به، ووجهوا أسئلة كثيرة نافعة، وطال الدرس من الساعة الحادية عشرة صباحا إلى الساعة السادسة مساء.

درس عن منهج الإمام مسلم في صحيحه.

زرت اليوم قبل المغرب الجامعة الإسلامية بمنيسوتا لصاحبها فضيلة الشيخ وليد بن إدريس المنيسي، وقد عاجلته زيارة تعليمية إلى لبنان فلم يقدر بيننا لقاء، وقابلت فضيلة الشيخ طارق بن عوض الله، وتحدثنا عن بعض مؤلفاته، وعن بعض جوانب علوم الحديث، ووجدته عالما متمكنا من الصالحين المترفعين عن التسابق إلى المناصب والوظائف، كثَّر الله فينا من أمثاله.

ثم ألقيت درسًا أمام الطلاب في مسجد الفاروف بالجامعة حول منهج الإمام مسلم في صحيحه باللغة العربية بعد صلاة المغرب الساعة التاسعة إلى الحادية عشرة تقريبا، ورأيت للدرس وقعا في نفوس الأساتذة والطلاب، وقام أخونا وصاحبنا أبو زيد بتعريفي قبل الدرس، وأثنى الشيخ طارق عوض الله على الدرس بعد الانتهاء منه خيرا ونوَّه ببعض جوانبه شادًّا إليها انتباه الحضور المستمعين، ونهض أحد المفتين الزائرين، فأشاد بدرسي إشادة كبيرة، وبالغ في مدحها، وقد اتصل بي بعض الإخوة من الأمكنة المختلفة ممن استمع إلى الدرس عبر الانترنت، وأعربوا عن فرحهم به، وأسأل الله أن يتقبله قبولا حسنا، وأن يوفقني لإتمام هذا الشرح في إخلاص.
وبعد الدرس سألني الشيخ طارق عوض الله أن أجيز الحضور، فالتمسته أن يجيزنا جميعا أولا، فشرفنا بإجازته، وأجزت أيضًا الحضور، واتصل بي الشيخ وليد المنيسي من لبنان هاتفيا محييا إياي وشاكرا لي على زيارتي للجامعة، وسألني أن أجيزه، فقرأت المسلسل بالأولية عليه ثم أجزته إجازة عامة.
وأحاط الطلاب بي مستجيزين وموجهين إلي أسئلة عن علوم الحديث، وعن مواصلة دراساتهم الإسلامية في الغرب، وكتبت انطباعي عن زيارتي على دفتر عندهم.

الجامعة الإسلامية:

أنشئت هذه الجامعة كمؤسسة أكاديمية للتعليم الإسلامي العالي في عام 2007، جذبت اهتماما كبيرا من الشباب المتعطشين للمعارف الإسلامية الأصيلة، وتطورت في عام 2013 إلى جامعة مينيسوتا الإسلامية تحت رئاسة الدكتور وليد المنيسي، متعهدة بإنتاج جيل جديد من المسلمين لخدمة الإسلام والتعليم والدعوة وفقا لمبادئ القرآن والسنة، وتعزيز إيمانهم وإرساء قناعتهم للطابع السلمي للإسلام، وتوفير دورات مكثفة في اللغة العربية واللغة الإنجليزية، والجامعة معنية بتدريس المواد الإسلامية والعربية في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، ومن أهم المواد: التوحيد وأقسامه، وأركان الإيمان، ونصوص في العقيدة، وتفسير تحليلي لسور مختارة ولآيات الأحكام، وعلوم القرآن، ومصطلح الحديث، وشرح أحاديث الأحكام، وأحاديث مختارة، والسيرة النبوية، ومدخل في أصول الفقه، وتطبيقات في القواعد الأصولية، وأدب الاختلاف في الإسلامية، وفقه المعاملات المالية، وفقه النوازل، والمواريث، والتشريع الجنائي في الإسلام، والفكر التربوي الإسلامي، وأصول الدعوة، ومقارنة الأديان، والفرق والمذاهب، وقصص الأنبياء، وتاريخ الخلفاء الراشدين، واللغة العربية.

الشيخ وليد المنيسي:

والشيخ الدكتور وليد بن إدريس بن عبد العزيز المنيسي، المولود في الإسكندرية سنة 1386، رئيس اتحاد الأئمة بأمريكا، ورئيس الجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا، له عدة مؤلفات، منها (الأرجوزة الوليدية المتممة للرحبية)، وشرحها، و(مختصر اقتضاء الصراط المستقيم)، و(الفتوحات الصمدية) شرح رسالة العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية، طبعته مكتبة دار الحجاز سنة 1436هـ، وهذا الشرح عبارة عن محاضرات ألقاها في إحدى الدورات العلمية بمركز الفاروق الإسلامي بولاية منيسوتا سنة 1431هـ، و(أثر اختلاف القراءات الأربع عشرة في مباحث العقيدة والفقه)، طبعته دار الحجاز سنة 1436هـ، درس فيه أثر اختلاف القراءات على مسائل العقيدة من جهة زيادة الأدلة على صحة مذهب السلف الصالح في أبواب الاعتقاد، وأثر تنوع القراءات كذلك في الرد على شبهات أهل البدع، ثم بيان أثر اختلاف القراءات على مسائل الفقه من جهة دلالتها على حكم فقهي أو أثرها في ترجيح قول على قول في المسائل الخلافية.
وهو من رواد التعليم الإسلامي في الغرب، ويصدق عليه قول البحتري:

لا تنظرن إلى “الفياض” من صغر
في السن وانظر إلى المجد الذي شادا

البحتري
الشيخ طارق عوض الله:

والشيخ أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد المصري من العلماء المتقنين في علوم الحديث، ليّن رفيق، كامل المحاسن، وهو صنو “النيل” متدفقين بالعطاء، جائشا مدُّهما، ومن مؤلفاته الدالة على تبحره في العلوم: (الجمع والتوضيح لمرويات الإمام البخاري خارج الجامع الصحيح)، و(عقيدة أهل السنة من خلال الجامع للترمذي) و(الجامع لتفسير ابن رجب الحنبلي)، و(ردع الجاني المعتدي علي الألباني)، وشرح المنظمة البيقونية، والمئوية في جوامع السنة النبوية، وضوابط كلية لتحقيق الأحاديث والحكم عليها، قال في مقدمته: “لا شك أن تحقيق الأحاديث وتمييز ما صح منها وما لم يصح عمل عظيم، وسنة ماضية، فإن الأحاديث هي الأصل الثاني للأحكام الشرعية، ولا يتأتى للعالم فهم الأصل الأول، وهو القرآن العظيم إلا بمعرفة صحيح الأحاديث من ضعيفها، بل إن تمييز ذلك يحتاجه كل مشتغل بأي علم من العلوم الشرعية”. (ص 4).
وقال في آخر الرسالة: “وبدون معرفة ذلك والتفقه فيه يحار الباحث، وربما تخبط فأوصله ذلك إلى أحكام على الأحاديث تتنافى مع أحكام الأئمة الكبار، لأنه لم يدرك ما أدركوه، ولم يفقه ما فقهوه، فيذهب يحكم على الأحاديث بعلمه القاصر، فتكثر مخالفاته لأئمة العلم في أحكامهم، ويظن أنه يحسن صنعا”. (ص 148).
وتعشينا مع الشيخ في الجامعة، ورجعنا إلى الفندق في وقت متأخر من الليل، وودعتُ الأخوين أبا زيد وعمر خان فإنهما سيغادران في الصباح الباكر قبل أن نستيقظ للفجر، أدعو الله تعالى أن يجعل اجتماعنا وتفرقنا زيادة لنا في الخيرات وسعيا في ابتغاء مرضاته.