بقلم: محمد أكرم الندوي
بسم الله الرحمن الرحيم
(يوم الأربعاء 20 شوال 1439هـ الموافق لـ 4 يوليو 2018هـ)
صليت الفجر في المنزل، وفي رأسي صداع وفي عيني رمد، فاضطجعت، ولم أتبع طريقتي من العمل بعد الفجر، فالإنسان تبع للخطوب تؤثر أحوالها في حاله، وتغير شدائدها من عوائده وفعاله، واستيقظت الساعة التاسعة، وقد ذهب عني الألم، واغتسلت وأنا موفور القوة والنشاط، واشتغلت بالكتابة، ثم أفطرت مع الإخوة، وخرجنا إلى المركز.
درس عن مكانة النساء في الإسلام:
ودرست اليوم عن مكانة النساء في الإسلام من الساعة الحادية عشرة إلى الساعة الخامسة، وكان عدد الحضور كبيرا جدا رجالا ونساء، وقد قصدوا من مدن مختلفة نائية.
وبدأت الدرس باستلفات النظر إلى أنه مما يبعث كثيرًا من الناس على الدهشة والاستغراب أن تجد النساء، وفي نظام إسلامي، عالمات، يحملن كفاءات التعليم والإفتاء وقدرات الإصلاح وبناء المجتمع، ويقمن بمسؤولياتهن وواجباتهن في حرية واستقلال. إن الوجهة الغربية النمطية هي أنه ليس هناك أي نظام اجتماعي أكثر دينيًّا من المجتمع الإسلامي، وأن المجتمع إذا كان أكثر تدينًا كان أشد تضييقًا للنساء وحبسًا لهن في داخل البيوت والحجرات، وأكثر مضايقة لحريتهن نحو الاستمتاع بالأهلية وحمل المسؤولية والأمانة، وإن وراء ذلك افتراضًا، وهو أن الدين صناعة بشرية في الحقيقة، ابتدعه الرجال ليحققوا منافع لهم ومصالح على حساب النساء وشقائهن. ولا شك أن المسلمين لا يشاركون الغرب في هذه النظرة الزائغة الضالة المضللة.
كانت المرأة في المجتمع الجاهلي عرضة لأنواع من المظالم والاضطهاد، مهدرة مكانتها، ومبخوسة حقوقها، وقد صوَّر القرآن الكريم بالتفصيل الوضع الذي كانت تعيشه المرأة، وذمَّ أهل الجاهلية بسوء معاملتهم للأنثى، قال تعالى: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودّا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون)، وقال: (وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت).
جاء الإسلام وأعاد للمرأة كرامتها التي تستحقها، وبيّن حقوقها وواجباتها الشرعية والاجتماعية بالتفصيل، ومردُّ هذه الحقوق والواجبات إلى أمرين رئيسيين: عبوديتها لله تعالى خالقها وربّها، وأصلها البشري، فقد خلق الله المرأة من النفس التي خلق منها الرجل، وآدم أبو النساء كما أنه أبو الرجال، قال الله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا)، وقال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير)، وقال تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) وقال: (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى).
فالذكر والأنثى يشتركان في البشرية والعبودية لله عز وجل، ولن يصح فهم حقوق الرجل والمرأة وواجباتهما إلا بإدراك معنى العبودية، وأنها الغاية التي خُلِقا من أجلها، قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شرح هذه العبودية في كلمات جامعة فيما حدَّث أنس بن مالك عن معاذ بن جبل رضي الله عنهما، قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال: يا معاذَ بنَ جبل، قلت: لبيك رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذَ بنَ جبل، قلت: لبيك رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة. ثم قال: يا معاذَ بنَ جبل قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: هل تدري ما حق الله على العباد؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذَ بنَ جبل، قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك، قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: أن لا يعذبهم.
وكلمة العباد تشمل الرجال والنساء على السواء، ويؤكد ذلك ما رواه عبد الرحمن بن شيبة قال: سمعتُ أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال، قالت: فلم يرُعني منه يومئذ إلا ونداؤه على المنبر، قالت: وأنا أسرح شعري، فلففتُ شعري ثم خرجتُ إلى حجرة من حجر بيتي، فجعلت سمعي عند الجريد، فإذا هو يقول عند المنبر: يا أيها الناس، إن الله يقول في كتابه: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما)، وكذلك حينما تحدث القرآن الكريم عن الواجبات العامة لم يقتصر على الرجل، بل جمع بين الرجل والمرأة: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
والعبودية لله تعالى هي المنطلق الذي انطلق منه فقهاء الإسلام في فقه الأحكام من دون النظر إلى أي نوع من العصبية الجنسية، وتشهد بذلك التفاصيل الفقهية والفروع الجزئية، إذ لم ينجروا وراء أي نوع من العصبية لأحد الجنسين على الآخر، حتى إنهم ردُّوا بعضَ الأحاديث التي فيها شيء من بخس حقوق النساء، لأنها تعارض القرآن الكريم، مع أن هذه الأحاديث روتها النساء، ومن أمثلة ذلك ما روته فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها طُلِّقت فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة، ولكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد حديثها وجعل للنساء سكنى ونفقة في عدتهن، وعلل ذلك بأن حديثها يخالف القرآن حيث يوجب السكنى، كذلك رد حديثها زيد بن ثابت رضي الله عنه وغيره من الفقهاء، وردت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أيضًا حديثها، فلو لم يكن دافع هؤلاء الفقهاء إثبات حكم الله لقبلوا حديث فاطمة، فإنه في صالح الرجال على حساب النساء.
والمرأة لها أهلية كاملة لتلقي الخطاب الإلهي، فأول تكليف إلهي صدر للبشر خوطب به الرجل والمرأة معًا حين أُسكنا الجنة، وقال الله تعالى لهما: (وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)، وأوحى الله تعالى إلى مريم عليها السلام بإرسال الملائكة إليها، فقال تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين. يا مريم اقتني لربك واسجدي واركعي مع الراكعين. ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك، وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم، وما كنت لديهم إذ يختصمون. إذ قالت الملائكة يا مريم، إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين. قالت ربي أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر؟ قال: كذلك الله يخلق ما يشاء. إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)، وقال: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا، فاتّخذت من دونهم حجابا، فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا. قالت: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا. قال: إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا. قالت: أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا؟ قال: كذلك قال ربك هو علي هيّن ولنجعله آية للناس ورحمة منا، وكان أمرا مقضيا. فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة. قالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا. فناداها من تحتها ألاّ تحزني، قد جعل ربك تحت سريا، وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي واشربي وقري عينا فإما ترينّ من البشر أحدا فقولي: إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا. فأتت به قومها تحمله. قالوا: يا مريم، لقد جئت شيئا فريا. يا أخت هرون، ما كان أبوك امرأ سوء، وما كانت أمك بغيا. فأشارت إليه، قالوا: كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟ قال: إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) بل وأوحى الله تعالى إلى أم موسى عليه السلام مباشرة من دون واسطة ملَك، فقال: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم، ولا تخافي ولا تحزني، إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين).
ونزلت آيات من القرآن الكريم جوابا لأسئلة النساء، فقد روي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله تبارك وتعالى (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض، فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله، والله عنده حسن الثواب). وروى مجاهد عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله يغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله تبارك وتعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن).
وإن سورة المجادلة لأوضح دليل على مدى عناية الله عز وجل بشأن المرأة، فقد روى يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: حدّثتني خويلة بنت ثعلبة، وكانت عند أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت، قالت: دخل عليّ ذات يوم فكلّمني بشيء وهو فيه كالضّجر، فراددته، فقال: أنت عليّ كظهر أمّي، ثم خرج، فجلس في نادي قومه، ثم رجع إليّ، فأرادني على نفسي، فامتنعت منه، فشاددني، فشاددته، فغلبته بما تغلب به المرأة الرجل الضعيف، فقلت: كلاّ، والّذي نفس خويلة بيده لا تصل إليها حتى يحكم الله فيّ وفيك حكمه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أشكو إليه ما لقيت منه، فقال:زوجك وابن عمّك، فاتّقي اللّه، فأنزل اللّه: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه) حتى بلغ الكفّارة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مريه فليعتق رقبة، فقلت: يا رسول الله ماعنده رقبة يعتقها، قال: فليصم شهرين متتابعين، قلت: يا رسول الله شيخ كبير واللّه ما به من صيام، قال: فليطعم ستّين مسكينا، قلت: واللّه يا رسول الله ما عنده ما يطعم، قال: بلى سنعينه بعرق من تمر، والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعا، قلت: وأنا أعينه بعرق آخر، قال: قد أحسنت، فمريه فليتصدق به.
كذلك يقرر الإسلام للمرأة أهلية تامة في الحقوق المدنية الشرعية من التملك، والإرث، والتصرف في الممتلكات، وإنفاذ للعقود والعلاقات ونحوها، وسمح الإسلام للمرأة بالمهن المختلفة والمهارات المتنوعة والصناعات، ولم يجعلها وقفا على الرجال، فكانت المرأة تمارس ما يحلو لها أو ما تحتاج إليه من المهارات، وكانت تحيي الأرض وتستصلحها بالزرع والغرس، وكانت تشترك في كثير من الصناعات المتاحة لها أو تشرف عليها.
وفوق كل ذلك تستقل المرأة في النظر والفكر والعمل والتطبيق، تستقل في اختيار ما شاءت من الإيمان والكفر، والخير والشر، لا تعتبر مؤمنة بإيمان أبيها أو أخيها أو زوجها أو غيرهم من الأقربين، ولا كافرة بكفرهم، ولا صالحة بصلاحهم، ولا فاسقة بفسقهم، وكذلك سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين الرجل والمرأة في أمر الدخول في الإيمان والمبايعة، فلم يقتصر على بيعة الرجال جاعلا لهم نائبين عنه في بيعة نسائهم. قال تعالى: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن أو أرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله).
ومن استقلال النساء أن الله ألزمهن بطاعته كما ألزم الرجال، ووعدهن بالثواب والعقاب كما وعد الرجال، قال الله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر وأنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا)، وفال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)، وقال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، وقال: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) وقال: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما)، وقال: (ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب)، وقال: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا). وقال الله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)، وقال: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله).
ومن رفع الإسلام مكانة المرأة أن جعلها أسوة ومثالا للمؤمنين والمؤمنات، ولم يجعل المرأة مثلاً للمرأة ليجعل الرجل مثلاً للرجل، لأنهما لا يفترقان في بشريتهما وعبوديتهما لله تعالى، فقال تعالى: (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين)، وضرب الله مثالاً آخر للمؤمنين والمؤمنات في العفة والطهر والنقاء فقال: (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها، فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين).
فالتفاضل بين البشر لا يقوم على أساس الذكورة أو الأنوثة أو غيرهما من الاعتبارات والفوارق من سلالة أو عرق أو لون أو دم أو لغة أو فقر وغنى، وإنما جعل الإسلام مقياس الفضل بين الرجل والمرأة عين ما جعله بين الرجل والرجل، وبين المرأة والمرأة، فلا يمتاز فرد من أفراد البشر ذكرا كان أو أنثى إلا بمقدار تفاضله في التقوى والعمل الصالح، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم…).
وخلال الدرس أجبت عن أسئلة كثيرة من الحضور حول مواريث النساء، وشهادتهن، ومعنى أنهن ناقصات عقل ودين، وأنهن أكثر أهل النار، وخصصت ساعة لأسئلة النساء وحدهن، والحمد لله على أن الحضور استفادوا من الدرس.
الدكتور مصطفى عبد الباسط أحمد:
وبعد الدرس قابلني الدكتور مصطفى عبد الباسط أحمد، وهو أكاديمي متخصص في تاريخ التشريع الإسلامي، وباحث في قضايا الإسلام والعلوم، وخريج جامعة أوهايو الأميركية، يترأس “منظمة التعليم الإسلامي” و”الأكاديمية الإسلامية للبحث العلمي” بولاية بنسلفينيا الأميركية. وهو أستاذ بالجامعة الأميركية المفتوحة. ومن مؤلفاته باللغة العربية: “المبادئ العلمية لتحديد اتجاه القبلة”، و”مناهج تحقيق السنة عند الفقهاء وعند المحدثين”، ومنها بالإنكليزية: “السياق التاريخي لابن تيمية ومشروعه الإصلاحي”، و”قصص القرآن وصلته بالقصص العربي في العصر الوسيط”.
وأهدى إلي بعض مؤلفاته، منها: “تحديد أوائل الشهور القمرية.. رؤية علمية شرعية”، يؤكد فيها أن رؤية الهلال مجرد رخصة انبنت على عجز الناس في العصر النبوي عن استخدام الحساب الفلكي المعقد، كما بينه الحديث: “نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب”، وهي رخصة تزول بزوال علتها”، وأن تحديد بداية الشهور على وجه اليقين مسألة علمية تتفاوت قدرات الناس في إمكانية تحديدها بتفاوت علومهم ومعارفهم، التي تتفاوت بدورها من قوم إلى قوم، ومن عصر إلى عصر، ونظير هذا الأمر تحديد اتجاه القبلة على سطح الأرض، إذ لا نزاع بين المسلمين في وجوب تولية الوجه شطر المسجد الحرام في الصلاة. وأما تحديد جهة القبلة وكيفية تحديدها على سطح الأرض الكُرَويّ فهذه مسألة علمية يبينها المختصون، ويتفاوت الناس حولها دقةً وخطأً بحسب علمهم وجهدهم، وأن من بين علماء السلف في عصر التابعين من ذهب إلى أن الأخذ بالحساب هو خطاب الشارع لأهل العلم به، وأن المشاهدة أو إتمام الشهر ثلاثين هي في حق العامة، ولم ينس المؤلف أن يعضِّد رؤيته الفقهية هنا برؤى بعض العلماء المعاصرين. ومن هؤلاء الشيخ أحمد شاكر الذي كان سباقا إلى القول بأن تحديد أوائل الشهور القمرية وإثبات الأهلة إنما يتحدد في العصر الحديث بالحساب وحده، وأما الرؤية للهلال فهي رخصة في حق من يستعصي عليهم العلم بالحسابات الفلكية.
ويميز المؤلف بين نوعين من الحساب الفلكي، أحدهما متعلق بتحديد ميلاد الشهر الجديد فلكيا، والثاني متعلق بتحديد إمكانية مشاهدة الهلال في موضع ما، وفي وقت ما، فالأول نتائجه قطعية يقينية لا تباين بين الفلكيين بشأنها، وأما الثاني فإن تفصيلاته تتباين، كما أن نتائجه يلازمها هامش كبير من احتمال الخطأ، ونهج الحساب الذي يعتمده المؤلف فقهيا وعلميا هو النوع الأول، وفيه تعتبر بداية الشهر على أساس ميلاد الشهر الجديد فلكيا، لا على إمكان رؤية الهلال. وفي ضوء هذه الرؤية الفقهية يبدأ الشهر الجديد في لحظة واحدة، وفي حق أهل الأرض جميعا.
ومن الفوائد العملية المترتبة على اتباع هذا المنهج وضوح الشهور القمرية، ومعرفة بداياتها ونهاياتها على وجه اليقين سلفا، كما هو الشأن في الأشهر الشمسية تماما، مما يحقق الوحدة بين المسلمين، ويجمع كلمتهم، ويعينهم على نشر بيانات أعيادهم قبل حلولها بأمد طويل، ويعينهم ويعين جهات عملهم على معرفة عطلاتهم والتخطيط لها بصورة يقينية. كما ييسر المعاملات التجارية والعلاقات الدولية على المستوى العالمي بسبب العلم المسبّق بأيام العمل وأيام العطلات.
صلاة المغرب:
وصلينا المغرب في مسجد إخواننا العرب، وهو مسجد في مكان تجاري فسيح جدا، وبجانبه مدرسة، وكانت قراءة الإمام قراءة محققة جميلة، حلوة شجية، أثرت في نفوسنا تأثيرا متناغمين معها منسجمين.
والد أبي زيد:
وشرفنا بعد المغرب والد أبي زيد بالزيارة، وهو شيخ مثقف صالح، ذو مناقب جمة ومكارم سامية، وتبادلنا أحاديث وآراء حول تاريخ العلم والعلماء في شبه القارة الهندية، وأجبت عن بعض أسئلته عن القرآن الكريم واليوم الآخر، وشددت على أن هذه الدين عبارة عن الاستعداد لليوم الآخر، وإيثاره على الحياة الدنيا، وينبغي لنا أن نطيل جفوة الدنيا ونهون شأنها، فما العاقل المغرور منها بعاقل، ولا يهيم بها مرجيا الخلود إلا معشر ضل سعيهم، ودون الذي يحلمون غول الغوائل.
يوم الاستقلال الأمريكي:
واليوم يوم الاستقلال الأمريكي، و هو عطلة وطنية هنا ذكرى لاعتماد وثيقة إعلان الاستقلال في 4 يوليو من عام 1776عن بريطانيا العظمى، يرتبط عادةً بحفلات الشواء، والمواكب الاستعراضية الوطنية، وعروض الألعاب النارية، والتي تنسق في كل مكان، فخرجنا من البيت وشاهدنا هذه العروض وشاركنا الأمريكان في احتفالهم مشاركة الناظرين إليهم، لا مشاركة المباشرين لطقوسهم وعوائدهم، الرافلين في حللهم، والملتذين بطيب طعامهم، والشاربين من جيد مشربهم، والراقصين على رقصاتهم، والسامعين من مطربهم، فلنا هم غير همومهم، ومطمح غير مطامحهم، راجين قرب رب غفور رحيم كريم ودود في ظل عيش حميد واصل حبله بحبل الخلود.