وفاة الشيخ سعد جاويش رحمه الله تعالى

Reading Time: 4 minutes

بقلم: محمد أكرم الندوي

بسم الله الرحمن الرحيم

توفي اليوم (أي سادس عشر محرم سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وألف) شيخنا المجيز سعد جاويش، رحمه الله رحمة واسعة.

وهو العلامة الصالح التقي الكريم النبيل الشيخ سعد بن سعد بن رزق جاويش الحسيني الكفراوي الأزهري، ولد سنة 1360هـ، حضر في كلية أصول الدين على عدد من كبار علماء الأزهر الشريف، منهم: الشيخ محمد علي أحمدين، ومصطفى أمين التازي، ومحمد محمد السماحي، ومحمد محمد أبو شهبة، وعبد الوهاب عبد اللطيف، وشيخ الإسلام عبد الحليم محمود، وعبد الوهاب غزلان، وأحمد السيد الكومي، ومحمد السيد ندا، وسليمان دنيا، ومحمد فتح الله بدران، وغيرهم.

من مؤلفاته: (رفع الحرج عن الأمة في ضوء الكتاب والسنة)، و(السنن الزكية، في الفضائل النبوية)، و(التوجيهات النبوية، لسلامة المعاملات الإسلامية)، و(على طريق الهجرة)، و(سنن الزكاة)، و(المأدبة النبوية، في الهبة والهدية والوصية) وغيرها.

يروي عن محمد ياسين الفاداني (ت1410هـ)، وعبد الله بن محمد بن الصديق الغماري (ت1413هـ)، وشيخنا المجيز محمد زكي الدين إبراهيم (ت1419هـ)، وشيخنا السيد محمد بن علوي بن عباس المالكي (ت1425هـ)، والسيد محمد إبراهيم عبد الباعث الكتاني، ومحمد ضياء الدين بن محمد نجم الدين الكردي، وعن والده نجم الدين، وهو عن العلامة الشيخ سلامة العزامي (ت 1376هـ)، وتدبج مع الشيخ محمد عبد الحكيم شرف القادري، ومع العلامة الشيخ أحمد معبد عبد الكريم، والعلامة السيد عباس بن محمد السقاف الحضرمي، وجلس إلى الإمام الحافظ التيجاني، وسمع منه.

زرته مع بعض الإخوة في منزله في الثالث عشر شعبان سنة ثلاثين وأربع مائة وألف خلال رحلتي المصرية، واستقبلنا بحفاوة بالغة وأكرمنا غاية الإكرام، وأضافنا على العنب وغيره، وخدمنا بنفسه، ولمسنا في الرجل الصلاح، والتواضع، والإخلاص لله تعالى، ولا نزكي على الله أحدًا، ولقد خرجت من عنده وفي قلبي محبة له شديدة، وإجلال له كبير، اللهم ارزقني الصلاح والتقوى والإخلاص يا رب العالمين.

سمعنا منه حديث الرحمة المسلسل بالأولية، قال: أخبرنا الشيخ المسند علم الدين محمد ياسين الفاداني، وهو أول حديث سمعته منه، قال: أخبرنا خليفة بن حمد بن موسى بن نبهان النبهاني المالكي المكي، والشيخ المقرئ الشهاب أحمد بن عبد الله المخللاتي الشامي ثم المكي، والعلامة الوراق الشيخ علي بن فالح بن محمد الظاهري المدني، وهو أول حديث سمعته منهم، قالوا: أخبرنا والد الأخير العلامة محدث المدينة أبو اليسر فالح بن محمد الظاهري المدني وهو أول حديث سمعناه منه عن ختم المحدثين محمد بن علي السنوسي المكي بإسناده المعروف.
وأجاز لنا ولأولادنا إجازة عامة، وأعطى كل واحد منا ورقة الإجازة المطبوعة مختومًا وموقعًا عليها، ولله الحمد، ولقد سرني أن أتصل بهذا الشيخ الصالح الذي يُذَكِّرني وجهه بالله تعالى.
حكى لنا الشيخ أنه لم يكن معنيًّا بالأسانيد ولا مهتمًّا بالإجازات، ولم يكن يعرف من يروي الحديث في هذا الزمان بأسانيده المتصلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى رحل إلى مكة المكرمة، ورأى الطلبة يذاكرون الأسانيد والإجازات، فسألهم عن ذلك، فدلوه على الشيخ المسند محمد ياسين الفاداني، ورتبوا له اللقاء معه، وقال: وكان الفاداني وفيا كريما، كتب لنا الإجازة، وقرأ لنا المسلسلات، وأجاز لنا بها وبغيرها إجازة عامة، وأجاز لولدي كذلك، وعهد لي عهدًا أن أشرح كتاب (بلوغ المرام من أدلة الأحكام).

ثم ذكر بعض الصالحين، ومحبتهم له، وكراماتهم، وأعرب عن إعجابه البالغ بكلام عبد الله بن أبي جمرة في (بهجة النفوس)، وأثنى على الشعراني ومؤلفاته، والرسالة القشيرية، وذكر بعض كرامات السيد محمد الحنفي.

وأثنى في مجلسه على علماء الهند، وأشاد بخدماتهم في الحديث النبوي الشريف، وخص بالذكر إمام أهل الهند أحمد بن عبد الرحيم المعروف بولي الله الدهلوي، والشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، وشيخنا العلامة أبا الحسن علي الندوي، وذكر أنه يحفظ كثيرًا من نصوص (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) تأليف العلامة الندوي، وقال: إنه من كتبه المفضلة، وقرأ علينا عن ظهر قلبه بعض ما كتبه شيخنا أبو الحسن الندوي حول عنوان: كيف فتح النبي محمد صلى الله عليه وسلم أقفال الحياة الكثيرة المتعددة بمفتاح الإيمان العجيب، وذلك في حديث شاعري بينه وبين نفسه عند غار حراء في مكة المكرمة:

لقد كانت الحياة كلها أقفالاً معقدة، وأبواباً مقفلة، كان العقل مقفلاً أعيا فتحه الحكماء والفلاسفة، كان الضمير مقفلاً أعيا فتحه الوعاظ والمرشدين، كانت القلوب مقفلة أعيا فتحها الحوادث والآيات، كانت المواهب مقفلة أعيا فتحها التعليم والتربية والمجتمع والبينة، كانت المدرسة مقفلة أعيا فتحها العلماء والمعلمين، كانت المحكمة مقفلة أعيا فتحها المتظلمين والمتحاكمين، كانت الأسرة مقفلة أعيا فتحها المصلحين والمفكرين، كان قصر الإمارة مقفلاً أعيا فتحه الشعب المظلوم والفلاح المجهود والعامل المنهوك، وكانت كنوز الأغنياء والأمراء مقفلة أعيا فتحها جوع الفقراء وعري النساء وعويل الرضعاء.

لقد حاول المصلحون الكبار والمتشرعون العظام فتح قفل من هذه الأقفال ففشلوا وأخفقوا، فإن القفل لا يفتح بغير مفتاحه وقد ضيعوا المفتاح من قرون كثيرة وجربوا مفاتيح من صناعتهم ومعادنهم فإذا هي لا توافق الأقفال وإذا هي لا تغني عنهم شيئاً، وحاول بعضهم كسر هذه الأقفال فجرحوا أيديهم وكسروا آلتهم.

ففي هذا المكان المتواضع، المنقطع عن العالم المتمدن، على جبل ليس بمخصب ولا بشامخ تم ما لم يتم في عواصم العالم الكبيرة ومدارسه الفخمة ومكتباته الضخمة. وهنا مَنَّ الله على العالم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي رسالته عاد هذا المفتاح المفقود إلى الإنسانية، ذلك المفتاح هو (الإيمان بالله والرسول واليوم الآخر) ففتح به هذه الأقفال المعقدة قفلاً قفلاً، وفتح به هذه الأبواب المقفلة باباً باباً….