بقلم: محمد أكرم الندوي
بسم الله الرحمن الرحيم
قالوا: ما أفضل المختارات الشعرية؟
قلت: هي ديوان الحماسة لأبي تمام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ولد بجاسم من قرى حوران في بلاد الشام، استقدمه المعتصم إلى بغداد، ومدحه بقصائد بديعة، فأجازه وقدَّمه على الشعراء، وعرف مختاره الشعري باسم الحماسة تسمية له بأول أبوابه، ويليه أبواب أخرى هي: المراثي، والأدب، والنسيب، والهجاء، والأضياف والمديح، والصفات، والملح، ومذمة النساء، اختاره من شعر الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين والأمويين وقليل من رواد شعراء العصر العباسي، وهم الشعراء المحتج بهم في العربية.
قالوا: ما أهم شروحها؟
قلت: شرحان: شرح أحمد بن محمد المرزوقي، وشرح أبي زكريا يحيي بن علي الخطيب التبريزي، وهما مطبوعان متداولان.
قالوا: انعت هذا الديوان لنا مقربا إياه تقريبا.
قلت: اشتهر منذ ألفه أبو تمام، وتلقاه العلماء والأدباء بقبول، ليس له نظير في الدواوين والاختيارات الشعرية، وهو حاوٍ لأفضل ما قرضه الشعراء في العصور التي سبقته، وقصرها على المقطّعات الشعرية، دون المطولات، وتشهد هذه الاختيارات بمدى تمكن أبي تمام من معرفة الشعر محاسنه، واطلاعه الواسع عليه، ولم يضمنها إلا الشعر الفصيح الجيد السبك الحسن المعنى، والحاوي لمكارم الأخلاق، وعلو الهمة، والرقة.
قالوا: من علَّمكه في دار العلوم؟
قلت: شيخنا شفيق الرحمن الندوي،
قالوا: ترجمه لنا.
قلت: هو الشيخ العالم الأديب الفقيه شفيق الرحمن الندوي، ولد في جمبارن من بيهار سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف، وطلب العلم في المدرسة الإسلامية ببيتيا وغيرها من المدارس، ثم التحق بدار العلوم لندوة العلماء، وعرف بالتفوق بين زملائه، وتخرج منها سنة ثمانين وثلاثمائة وألف.
درَّس في أمكنة مختلفة، ثم انتدب إلى دار العلوم سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وألف، وأدى مسؤولياته محافظًا على المواعيد، ومساعدًا للمسؤولين، وكان متمكنا من اللغتين العربية والأردية، وهو صاحب (الفقه الميسر) في الفقه الحنفي.
قرأت عليه ديوان الحماسة لأبي تمام، وأخذت منه دروساً في الإنشاء والكتابة مدة عام.
توفي في الثالث عشر من ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وألف.
قالوا: وما أفضل المختارات النثرية؟
قلت: مختارات من أدب العرب في جزئين لشيخنا الإمام أبي الحسن علي الندوي.
قالوا: صفه لنا،
قلت: هذا الكتاب (في جزئيه) يشتمل على ثلاثة وسبعين نصًّا أدبيًّا، تمثل الأدب العربي الإسلامي في جميع مظاهره ومناحيه الأدبية والتاريخية والتهذيبية من العصر الإسلامي الأول إلى القرن الرابع عشر الهجري، تجمع بين ألوان الأدب العربي المختلفة وبدائعه من وحي سماوي وبلاغة نبوية، وخطب لأشهر خطباء العرب في أزهر عصور العربية، وروايات وقصص ورسائل وكتب، ومناقشات ومحاورات ورحلات وأحاديث منزلية متبسطة، وجد وهزل، وحكمة ولهو، وتمثل الأدب الرفيع الذي يمنح القارئ التوسع والانطلاق في آفاق الفكر والتعبير والتحليق في أجواء الحقيقة والخيال، ويثير فيه التذوق بجمال اللغة العربية.
إن هذا الكتاب مع مقدمته المبدعة يعتبر ثورة في التفكير وتحديًا غير عادي في مجال الأدب، واعترف كبار الأدباء العرب بفضله في فتح كوة جديدة على آفاق الأدب الإسلامي الواسعة، وأنه قلب الموازين الأدبية وتخطى الحدود المرسومة التي رسمها الأدباء التقليديون واحتكروها منذ القرون، وأصبح هذا الكتاب فيما بعد نواة جديدة وقاعدة محكمة لتأسيس نظرية الأدب الإسلامي الصحيحة.
يقول الأديب الكبير الأستاذ علي الطنطاوي: وإن كان الدليل على ذوق الأديب اختياره، فحسب القراء أن يعلموا أننا عرضنا من أمد قريب كتب المختارات الأدبية لنتخير واحدًا منها نضعه بين أيدي تلاميذ الثانويات الشرعية في الشام، وذهب كل واحد من أعضاء اللجنة، وكلهم من الأدباء يبحث ويفتش فعدنا جميعًا وقد وجدنا أن أجود كتب المختارات المدرسية وأجمعها لفنون القول وألوان البيان مختارات أبي الحسن.
ولقد كنت أتمنى من قديم أن نخرج بتلاميذنا من هذا السجن الضيق المظلم الذي حشرناهم فيه، إلى فضاء الحرية، وإلى ضياء النهار، فلا نقتصر في الاختيار على “وصف الكتاب” للجاحظ، وهو جمل مترادفة، لا تؤلف بينها فكرة جامعة، ولا يمدها روح، ولا تخالطها حياة، وعلى ألاعيب ابن العميد، وغلاظات الصاحب، وهندسات القاضي الفاضل، فننفر التلاميذ من الأدب، ونكرهه إليهم، وكنا نقول لهم إن البيان الحق عند غير هؤلاء، وأن أبا حيان التوحيدي أكتب من الجاحظ، وإن كان الجاحظ أوسع رواية، وأكثر علمًا، وأشد تصرفًا في فنون القول، وأكبر أستاذية، وأن الحسن البصري أبلغ منهما، وأن ابن السماك أبلغ من الحسن البصري.
وإن النظر فيما كتب الغزالي في الإحياء، وابن خلدون في المقدمة، وابن الجوزي في الصيد، وابن هشام في السيرة، بل والشافعي في الأم، والسرخسي في المبسوط أجدى على التلميذ وأنفع له في التأدب، من قراءة حماقات الصاحب، ومخرفات الحريري وابن الأثير.
وكتبت في ذلك مرارًا، فما التفت إلى ذلك أحد، فيئست منه، حتى وجدت كتاب أبي الحسن، فإذا هو قد نفض كتب الأدب والتاريخ نفضًا، وحرثها حرثًا، فاستخرج جواهرها فأودعها كتابه.
ولست أقول إني أنا صاحب الفكرة، أو أنه أخذها مني.. لا ولعله (وهذا ما أرجحه) ما قرأ شيئًا مما كتبت أنا ولا غيري في هذا الموضوع، ولكنه الذوق الأدبي المرهف، والطبع العربي الأصيل. (تقديم الأستاذ علي الطنطاوي لكتاب “المسلمون في الهند” ص 17-18).
قالوا: من علَّمكه؟
قلت: شيخنا شمس الحق الندوي،
قالوا: ترجمه لنا.
قلت: هو الشيخ العالم الأديب الصحافي البارع شمس الحق الندوي، ولد سنة تسع وثلاثين وتسعمائة وألف في قرية يحيى فور من برتابكراه، وأخذ بها اللغة الفارسية، واللغة العربية في مدرسة باقية العلوم.
والتحق بدار العلوم لندوة العلماء في شهر يوليو سنة أربع وخمسين وتسعمائة وألف الميلادية، أخذ التفسير عن محمد أويس النجرامي الندوي، وجغرافية جزيرة العرب عن شيخنا محمد الرابع الحسني الندوي، ورياض الصالحين عن معين الله الندوي، والهداية ومشكوة المصابيح ونخبة الفكر عن محمد أسباط، والبلاغة عن شيخنا أبي العرفان الندوي، وسنن الترمذي عن محمد منظور النعماني، وكتاب العلم من صحيح البخاري عن شيخنا الإمام أبي الحسن الندوي، وسائر الصحيح عن محمد إسحاق السنديلوي ومحمد أيوب الأعظمي المئوي، والموطأ وصحيح مسلم وسنن أبي داود عن محمد إسحاق السنديلوي وعبد الحفيظ البلياوي، وتفسير البيضاوي عن عبد الحفيظ البلياوي.
تخرج من دار العلوم في نوفمبر سنة اثنتين وتسعمائة وألف الميلادية، ثم عين في السنة نفسها مدرسًا في دار العلوم لندوة العلماء، ورئيس تحرير لصحيفة تعمير حياة الصادرة في دار العلوم لندوة العلماء بالأردية، وكان من أقرب الناس إلى شيخنا أبي الحسن الندوي، ويحظى بثقة شيخنا محمد الرابع الحسني الندوي، وقد صدرت له عدة مؤلفات.
ويمتاز بحسن الخلق والتواضع والكرم واللين والمودة والصفاء، وعدم الوقوع في أعراض الناس، واجتناب الفضول، وهو دائم البشر طلق الوجه باسم المحيا.
أخذت منه مختارات من أدب العرب (الجزء الثاني) والإنشاء وتدربت عليه في الخطابة بالعربية.