معنى الرحمن

بقلم: محمد أكرم الندوي

بسم الله الرحمن الرحيم

قالوا: استغربنا قول بعض المفسرين إن العرب لم تعرف “الرحمن”.

قلت: ما دليلهم على ذلك؟

قالوا: قوله تعالى: “وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا” سور الفرقان الآية 60، قال العلامة الزمخشري في الكشاف: “وما الرحمن، يجوز أن يكون سؤالا عن المسمى به، لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم، والسؤال عن المجهول بـ”ما”، ويجوز أن يكون سؤالا عن معناه، لأنه لم يكن مستعملا في كلامهم كما استعمل الرحيم والرحوم والراحم”، وقال العلامة فخر الدين الرازي: “ويحتمل أنهم جهلوا الله تعالى، ويحتمل أنهم وإن عرفوه لكنهم جحدوه، ويحتمل أنهم وإن اعترفوا به لكنهم جهلوا أن هذا الاسم من أسماء الله تعالى، وكثير من المفسرين على هذا القول الأخير قالوا: “الرحمن” اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة، والعرب ما عرفوه”.

قلت: قد رد الإمام أبو جعفر الطبري كبير المفسرين على أهل هذا القول ردا قويا حيث قال: “وقد زعم بعضُ أهل الغَباء أنَّ العرب كانت لا تعرف “الرحمن”، ولم يكن ذلك في لغتها، ولذلك قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: “وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا” إنكارًا منهم لهذا الاسم، كأنه كان محالاً عنده أن يُنكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته.. وكأنه لم يتْلُ من كتاب الله قول الله: “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ”، يعني محمدًا، “كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ”، وهم مع ذلك به مكذِّبون، ولنبوته جاحدون! فيعلم بذلك أنهم قد كانوا يدافعون حقيقةَ ما قد ثبت عندهم صحتُه، واستحكمتْ لديهم معرفتُه”.

قالوا: وما الدليل على أنهم عرفوا “الرحمن” اسما لله تعالى؟

قلت: كتاب الله وشعر العرب.

قالوا: أين ذاك في كتاب الله تعالى؟

قلت: في آيات، منها “وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم” سورة الزخرف الآية 20، و”وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون” سورة الأنبياء 26، و”وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا” سورة مريم 88.

قالوا: ائتنا بأبيات من شعر العرب تدل على معرفتهم به،

قلت: قال حاتم الطائي:

كلوا اليوم من رزق الإله وأيسروا
فإن على الرحمن رزقكم غدا
وقال أعشى قيس:
ولا جعل الرحمن بيتك في العلا
بأجياد غربي الصفا والمحرم
وقال المثقب العبدي:
لحى الرحمن أقواما أضاعوا
على الوعواع أفراسي وعيسي
وقال سويد بن أبي كاهل اليشكري:
كتب الرحمن والحمد له
سعة الأخلاق فينا والضلع

حاتم الطائي

قلت: ومن الأدلة على معرفتهم به أنهم كانوا يسمون في الجاهلية بعبد الرحمن. ثم إن القرآن نزل بلغة العرب، فمحال أن يكون فيه شيء لم يعهدوه، لوكان فيه ما ليس من لغتهم لطعنوا به في كتاب الله أبلغ طعن، ولعولوا عليه في إعراضهم عنه.

قالوا: خفي علينا معناه، فقد ذهب أهل التفسير إلى أن “الرحمن” فيه من المبالغة ما ليس في “الرحيم”، فقالوا: رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا، ومنهم من جعل معنى الرحمن يشمل المسلمين والكافرين، والرحيم يختص بالمسلمين.

قلت: هذا الفرق لا يدل عليه لغة العرب، وقد مضى عليكم من شعرهم،

قالوا: فما معنى الرحمن؟

قلت: الرحمن على وزن “فعلان”، والرحيم على وزن “فعيل”، وصيغة فعيل تدل على ثبوت الصفة ورسوخها ودوامها كالكريم والشريف والأمين واللئيم، وصيغة “فعلان” تدل على معنى له ثلاث خصائص،

قالوا: ما هي؟

قلت:

الأولى: السرعة، من دون أي تأخر.

والثانية: الشدة والقوة.

والثالثة: السعة والانتشار.

فيطلق “غضبان” على من هاج هيجانا سريعا، واشتد غضبه وبلغ منتهاه، وشمل كل ما حوله، وكذلك كل ما جاء على زنة “فعلان”، فالرحمن:

1ـ من أسرعت رحمته، وفارت فورانا، وبادرت العباد مجيبة سؤالهم وقاضية لهم حوائجهم، بينما الخلق قد تتأخر رحمتهم لعدم علمهم بمواضعها أو قصور في تحركهم واندفاعهم.

2ـ واشتدت رحمته واعتزت، وقويت قوة لا يقف في وجهها شيء، وقد تندفع الأمهات للرحمة بأولادهن ولكن الظالمين يمنعونهن من الرحمة بهم، فالضعف من لوازم البشرية.

3ـ واتسعت رحمته وانتشرت وفاضت فيضانا، وشملت كل شيء، ورحمة الأنام ضيقة عسرة محدودة.

قالوا: هل أطلقت العرب “الرحمن” على غير الله؟

قلت: لا، فكلا الاسمين أي “الله” و”الرحمن” مختص بربنا تبارك وتعالى لم يستعمله الناس لغيره لا في في الجاهلية ولا في الإسلام.

قالوا: أو لم ينقل إلينا كلمة “رحمن اليمامة”،

قلت: “رحمن” بدون لام التعريف يستعمل لغير الله كما أن “إله” بدون التعريف يطلق على الآلهة الكاذبة المختلقة “هذا إلهكم وإله موسى”، فاستعمل رحمن اليمامة” لهذا الكذاب كذبا وزورا، وظلما وجورا، وانفرد ربنا الحق تبارك وتعالى بكلمة “الرحمن” انفرادا.