مرحلة العالمية ومقدمات العلوم

Reading Time: 4 minutes

بقلم: محمد أكرم الندوي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم من أهل العلم والدين، وبعد:
فإن العلم بأصول الدين والشريعة الإسلامية واللغة العربية التي عليها بناؤها فرض كفاية على المجتمع الإسلامي بكلا عجلتيه الرجل والمرأة في كل زمان ومكان، وفي كل عصر ومصر، وقد توارث المسلمون هذه العلوم جيلاً عن جيل، فما من فرع من فروع العلوم الإسلامية واللغة العربية إلا ونبغ فيه رجال وقفوا عليه حياتهم دراسة وتعليمًا، وبحثًا وتحقيقًا، وتأليفًا ونشرًا.

ومما تعاهده العلماء في مرحلة إعداد العلماء والتي نسميها بمرحلة العالمية هو أن يبتدئ الطلاب بدراسة المختصرات والمقدمات في كل باب من أبواب العلم، دراسة حفظ، ووعي، وضبط وإتقان، ومن ثم نرى إمام علوم الاجتماع والتعليم ابن خلدون يؤكد أهميتها ومنافعها الغالية للطلاب، وقد كثر الاعتناء بتأليف المختصرات في الإسلام في كل عهد من عهوده، وكنت أشعر – انطلاقًا من تجاربي في مجال التعليم – بحاجة ملحة إلى تأليف مختصرات جديدة تفي بحاجات المقررات الدراسية في العصر الراهن وتعالج القضايا المتجددة التي أصبحت جزءًا من حياتنا المعاصرة مع تيسير قواعدها، وتذليل صعابها، وتسهيل مسالكها، وحسن ترتيبها، وقد وفقني الله تعالى – والحمد له – إلى إعداد خمس رسائل في النحو، والصرف، وأصول التفسير، وأصول الحديث والإسناد، وأصول الفقه.

أما النحو فمعناه في اصطلاح العلماء إعراب الكلام العربي، واختلفت أقوالهم في تفسير هذا الاسم، فقيل: إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعدما علّم أبا الأسود الدؤلي الاسم والفعل وأبوابًا من العربية قال له: انحُ على هذا النحو، وقيل: إن أبا الأسود لما وضع وجوه العربية قال للناس: انحوا نحوه فسُمي نحوًا، وقيل غير ذلك.

وتطور علم الإعراب تطورًا سريعًا في مراكزه المختلفة، أهمها: البصرة، والكوفة، وبغداد، وسبقت مدرسة البصرة غيرها من المدارس لأمور لا يسعنا شرحها هنا، وكان من أئمتها خليل بن أحمد الفراهيدي، وتلميذه سيبويه المتوفى سنة ثمان وثمانين ومائة الذي ألف “الكتاب” فكان كتابًا معجزًا في الباب، وتقيّد العلماء به، وقلما زادوا عليه، فالنحو الذي نال القبول هو نحو أهل البصرة، وإن مقدمتي هذه تمثل المذهب نفسه.

ألفتُ هذا الكتاب كمقدمة في علم النحو، وحاولتُ ما أمكنني تجنب التعريفات والحدود العلمية التي يناقشها علماء هذا الشأن، وبدأتُ كل مسألة من مسائل النحو بأمثلة عملية تساعد الطلاب في استخداماتهم العامة، وإدراك المصطلحات الدينية.

ومما ينبغي التنبيه إليه بهذه المناسبة أن يُكثر المعلّمون من الأمثلة لشرح المسائل النحوية، ويُدرّبوا الطلاب على الاستعمال الصحيح.

إن الكلمات العربية وإن كانت تنقسم إلى الاسم والفعل والحرف، ولكني اقتصرتُ في هذا المختصر على الاسم، لأنه هو الذي يهمنا في مبحث الإعراب، وبدأت الاسم بتقسيماته المختلفة، منها تقسيمه إلى المعرفة والنكرة، وينبغي أن تثبت في أذهان الطلاب ميزة اللغة العربية على سائر اللغات، وأول مثال للمعرفة هو اسم الجلالة، وذلك لإجماع أهل العلم على أن اسم الجلالة أعرف المعارف.

أما المختصر الثاني الذي سأتحدث عنه هنا فهو “مبادئ التصريف”. والتصريف معناه في اللغة: التغيير، ومنه تصريف الرياح، وقد استعمله القرآن الكريم، وحده العلمي: علم بأصول يُعرف بها أحوال أبنية الكلمة التي ليست بإعراب ولا بناء. ومعناه العملي: تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلا بها، كاسمي الفاعل والمفعول، واسم التفضيل، والتثنية والجمع إلى غير ذلك، ونُسب وضع هذا العلم إلى علي بن أبي طالب، وإلى مُعاذ بن مسلم الهرّاء المتوفى سنة سبع وثمانين ومائة، واقتصرتُ في هذه الرسالة على الفعل.
وينبغي بذل وقت كبير في تصاريف الماضي والمضارع والأمر وما يتصل بها من القواعد، ثم أبواب الثلاثي المجرد، والثلاثي المزيد فيه، والرباعي المجرد، والرباعي المزيد فيه، كما ينبغي الاعتناء بمعرفة الصحيح، والمهموز، والمعتل، والمضاعف.

والمختصر الثالث هو “مبادئ في أصول التفسير”، وقسمته إلى مقدمة في جمع القرآن الكريم وترتيبه، وباب في التفسير وتأريخه، وباب في علوم القرآن الكريم، وباب في التفسير بالنقل، وباب في التفسير بالرأي، وخاتمة في الاستغناء بالقرآن الكريم.

والمختصر الرابع هو “مبادئ في أصول الحديث والإسناد”، وقسمته إلى مقدمة عرّفتُ فيها ببعض مصطلحات الحديث والإسناد، وباب في أقسام الحديث رفعًا ووقفًا، وباب في أقسام الحديث من حيث كثرة طرقه وقلتها، وباب في أقسام الحديث اتصالاً وانقطاعًا، وباب في أقسام الحديث قبولاً وردًّا، وباب في تحمّل الحديث وأدائه، وباب في التعديل والجرح، وخاتمة في رجال الحديث.

والمختصر الخامس هو “مبادئ في علم أصول الفقه”، ويُعرّف بأنه هو القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية، أو هو العلم بهذه القواعد، وذكرتُ في المقدمة نشأة هذا العلم، وأشهر كتب الحنفية فيه، ثم قسمتُ مباحث الكتاب إلى الأحكام، وأدلة الأحكام، وقواعد استنباط الأحكام من هذه الأدلة، ومقاصد الأحكام. وذكرت لكل مصطلح من مصطلحاته تعريفه، وحكمه، ومثاله.