رواية أبي الحسن علي الحسني الندوي عن أخيه

بقلم: محمد أكرم الندوي

بسم الله الرحمن الرحيم

حصلت لشيخنا الإمام العلامة الشريف أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله تعالى (ت 1420هـ) إجازة من شيخيه العلامة المحدث حيدر حسن خان الطونكي شيخ الحديث بدار العلوم لندوة العلماء، والعلامة المحدث عبد الرحمن المباركفوري صاحب تحفة الأحوذي، وكان ينص على كلا الطريقين في إجازاته لطلاب العلم وعامة المستجيزين منه، وخرَّجت له ثبتا في حياته باسم (نفحات الهند واليمن بأسانيد الشيخ أبي الحسن) مزدانا بمقدمته، واعتمدت فيه على شيخيه الطونكي والمباركفوري.

وحضر دروس شيخ الإسلام حسين أحمد المدني، وشيخ الحديث محمد زكريا الكاندهلوي رحمهما الله تعالى، ولكن لم نجد له إجازة منهما، وما رأيناه يروي عنهما، وأغلب الظن أنه سمع المسلسلات على الأخير منهما أكثر من مرة لما عرف من كثرة زيارته له.

وكان أبوه العلامة المؤرخ المحدث عبد الحي بن فخر الدين الحسني من كبار مسندي عصره ومن المعتنين بهذا الشأن والضابطين لأسانيد المتأخرين واتصالاتهم، وقد حصل على إجازات الكبار من أمثال مولانا فضل الرحمن الكنج مراد آبادي، والعلامة حسين بن محسن الأنصاري، والعلامة نذير حسين المحدث الدهلوي، والإمام الرباني رشيد أحمد الكنكوهي وغيرهم، رحمهم الله رحمة واسعة، ولم نطلع على إجازته لأصحابه إلا عددا قليلا، منهم ابنه الأكبر الدكتور عبد العلي الحسني رحمه الله تعالى، ولا نستبعد أن يكون قد أجاز لأولاده، فإنه كان على طريقة المحدثين في هذا الأمر، وسألت شيخنا أبا الحسن مرارا عما إذا كانت له إجازة من والده، فلم يتذكر، وسألت أهل بيته أن يفتشوا في وثائقهم المحفوظة المتوارثة عن هذه الإجازة، ولم يغنموا إلى الآن بشيء منها، وأرجو من فضل الله أن تتحقق أمانينا فإن في ذلك علوا كبيرا واتصالا عجيبا.

وإذ لم نكسب علوا في الرواية عن العلامة عبد الحي الحسني رغبنا في الاتصال به ولو نازلا، وجهدنا أن نقف على الراوين عنه والمجازين من قبله، فلم نعلم إلا ابنه عبد العلي ورجلا أو رجلين غيره، وكلهم قد ماتوا، رحمهم الله تعالى، ثم بحثنا عن تلاميذهم، ولم نجد إليهم سبيلا بعد.
وكنت قبل أسبوعين أو أكثر في كلية كامبريدج الإسلامية وأنا أدرس طلابي إذ اتصل بي الأخ العزيز العالم السيد محمود الحسني وبشرني بوجود إجازة شفهية من قبل الدكتور عبد العلي لأخيه أبي الحسن، تضمنتها رسالة من شيخنا أبي الحسن من الحجاز إلى أخيه في الهند، وأرسل إلي صورة الرسالة الأصلية بخطه، وصورة الرسالة مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل التي أصدرها سبط أختهما الشيخ حمزة الحسني مشرف دار العلوم لندوة العلماء، باسم “مكتوبات حضرت مولانا سيد ابو الحسن علي ندوي الجزء الأول ص 34-37، وبشَّرت بذلك أصحابي الشيخ أحمد عاشور، والشيخ محمد زياد التكلة وغيرهما من مسندي عصرنا المحققين ذوي الاستقامة والإتقان، فدخل نفوسهم سرور بالغ وابتهجوا أيما ابتهاج.

وهذا الرسالة كتبها شيخنا أبو الحسن الندوي من مكة المكرمة، مؤرخة بـ 17 من ذي الحجة سنة 1366هـ، وموجهة إلى أخيه الأكبر الدكتور عبد العلي والذي أجازه أبوه وشيخ أبيه العلامة حسين بن محسن الأنصاري اليماني، وهي رسالة مسهبة تتضمن أخبار الرحلة والحجاز واستفسارات علمية، وفيها ذكر طباعة الجزء الأول من نزهة الخواطر، وفيها ما يتعلق بالإجازة التي سطرت هذا المقال لرفع الحجاب عنها، وفيما يلي ترجمة تلك الفقرة بالعربية ترجمة حرفية أمينة:
“إن كانت لكم إجازة المسلسل بالأولية من حضرة الوالد المرحوم أو حضرة الشيخ حسين (أي ابن محسن الأنصاري اليماني)، أو من كليهما، فأجيزوني به (أي بالمسلسل)، فقد رغب في استجازته مني بعض كبار العلماء هنا (أي بمكة المكرمة)، وأتذكر أنكم أجزتموني مرة إجازة شفهية”.

الظاهر أن هذه الإجازة الشفهية إجازة عامة، لأن الشيخ صدر سؤاله بقوله “إن كانت لكم إجازة بالمسلسل بالأولية …”، فهو غير متأكد من أن لأخيه الدكتور عبد العلي إجازة بالأولية، وختمه بما تذكر من إجازته (أي الدكتور عبد العلي) الشفهية له (أي لأبي الحسن علي)، ولم يضمن الجملة الأخيرة ضميرا يرجع إلى المسلسل بالأولية، وإنما أطلق الإجازة إطلاقا.

ولا ريب أن رد الدكتور عبد العلي على هذه الرسالة سيزيد أمر هذه الإجازة وضوحا وبيانا، والتمست من الأخ محمود أن يبحث عنه في وثائق بيته وأوراقه، وندعو الله عز وجل أن نظفر به قريبا، وما زلنا آملين في أن نظفر بإجازة من العلامة عبد الحي الحسني لابنه شيخنا أبي الحسن الندوي، رحمهم الله جميعا، ونفعنا بعلومه، ويشملنا ببركات اتصالهم.