بقلم: محمد أكرم الندوي
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الكوثر:
وملخص ما شرحت لهم من تفسير سورة الكوثر:
تفصيل لما ذكرنا من اختصاصنا بهذا العطاء والأمر بالصلاة والنحر معا: وذكر الفراهي هنا ثلاثة أمور:
الأول: فضيلة هذه الملة على سائر الملل، وبيانها أن إهراق الدم كان هو طريق التقرب إلى الله في الأديان القديمة، وكان بمنزلة الصلاة لهم، وإلى هذه مالت اليهود فلم يذكروا الصلاة أصلا، وذكروا الصوم بالكناية فقط، وذلك لأن طرف العقل كان غير بالغ فيهم حتى يكفيهم محض التوجه بالقلب، فتقديم الصلاة وجعلها مخ الدين دليل على عروج الديانة، ومع إلزام الصلاة وتكثيرها لم يبطل الإسلام الذبح بالكلية، حتى إنه لم يبطل طرق الأقدمين الذين جعلوا الدين محض رهبانية، فأبقاها الإسلام في الحج.
والثاني: انحصار توبة اليهود والنصارى في قبول هذه الملة، وقد جاء عند اليهود التصريح بأمرين: الأول أن لا مغفرة إلا لتضحية، والثاني أن التضحية لا تصح إلا في هيكلهم، وقد أخرجه الله عن أيديهم، فقد غلق عليهم شريعتهم باب التوبة غير أن يؤمنوا بالنبي الموعود الذي وكل رجاؤهم إليه وعرفه لهم أنبياؤهم، قال تعالى: “…الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل”.
والثالث كون المسلمين لا غيرهم ورثة إبراهيم عليه السلام، ولما أورث الله نبيه وأتباعه وراثة إبراهيم عليه السلام، وقطع عن هذه الوراثة الخاصة اليهود والنصارى أمرهم بما يخص هذه الأمة من الصلاة والنحر، فإن إبراهيم عليه السلام بنى مسجدا لا مذبحا كما هو ظاهر.
في تأويل كلمتين “شانئك” و”الأبتر”: أما “شانئك” فبناء على ما ذكرنا من الوجوه يراد به أولا وبالذات قريش، ثم يراد به كل من كان متصفا به، فإن خصوصيات موقع النزول لا تمنع الكلام عن سعة معناه الذي دل عليه. و”الأبتر” هو المقطوع عما يفخمه ويمده، وعلى هذا الأصل قال قتادة في تفسير هذه الآية: الأبتر: الحقير الدقيق الذليل.
مع الأخ تركي الفضلي:
واتصل بي اليوم الأخ تركي الفضلي يدعوني إلى الغداء معه، فأجبت دعوته رغبة مني أن تزداد أسباب الألفة بيننا توثقا، وصلى معي الظهر في مسجد الشهداء بالعزيزية الشمالية، واتجهنا إلى مطعم للمأكولات البحرية.
وهو الأخ الكريم تركي بن عبدرب الرسول بن عبدربه بن سفير بن سافر الفضلي، ولد في الثالث من محرم سنة ١٤٠٦هـ، ودرس المرحلة الابتدائية في مدرسة سفيان الثوري الابتدائية بحي الغسالة (العدل) عام ١٤١٢هـ، ودرس المرحلة المتوسطة في مدرسة ابن كثير المتوسطة بالحي نفسه، ودرس المرحلة الثانوية بمدرسة الحديبية بالششه قرب نفق الملك فهد بمنى عام ١٤٢١هـ، وحصل على شهادة الباكلوريوس من كلية المعلمين بحي العزيزية قسم الدراسات القرآنية عام ١٤٢٤هـ .
وعين معلما بمحافظة مهد الذهب بقرية ثرب بمدرسة معاذ بن جبل الابتدائية بالذكرة عام ١٤٣٠هـ، وانتقل لجدة في مدرسة الملك فهد الابتدائية عام ١٤٣١هـ لمدة عامين، ثم عاد إلى مكة المكرمة معلّما بمدرسة أبي سعيد الخدري الابتدائية عام ١٤٣٣هـ، ولا يزال يشتغل بها حتى هذه اللحظة .
ومن شيوخه: الشيخ الدكتور شرف بن علي الشريف المدرس بجامعة أم القرى والمسجد الحرام، في الروض الربع مدة، والشيخ الدكتور الشريف مساعد بن محمد الحسني المدرس بجامعة المندق، لازمه طويلا في الفقه في زاد المستقنع، والشيخ العلامة المحدث الأصولي شريف عبدالنور الصومالي، لازمه طويلا وقرأ عليه صحيح البخاري والشمائل وغيرها من الكتب، والشيخ خالد بن عبدالعزيز الهويسين، درس عنده العمدة في الأحكام، وكتاب التوحيد وآداب المشي للصلاة ولمعة الاعتقاد وغيرها، والشيخ عبدالله بن سليمان بن عبدالله العمرو مولود عام ١٣٤٨، من طلاب الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وأخيه عبداللطيف، قرأ عليه: الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكشف الشبهات، ونواقض الإسلام، ومسائل الجاهلية، وكتاب التوحيد، والعقيدة الواسطية، والعقيدة الطحاوية، والأربعين النووية، وغيرها، والشيخ عبدالرحمن بن سعد العياف قرأ عليه في العقيدة والفقه الحنبلي وغيرها، والشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير عضو هيئة كبار العلماء في كتاب المحرر في الحديث، والشيخ عبدالعزيز الراجحي في العقيدة والحديث، والشيخ العلامة محمد بن علي بن آدم الاتيوبي لازمه طويلا وأخذ عنه في الحديث ومصطلحه والنحو والصرف والأصول، والشيخ سليمان بن سالم اللهيبي في الحديث، والشيخ عبدالله الغنيمان في العقيدة، ووالشيخ عبدالله بن جبرين، وغيرهم.
وأما شيوخه بالرواية فيزيدون على المائة، ومن أشهرهم الشيخ عبدالله الناخبي والسيد أحمد بن محمد بن هارون والسيد عبدالرحمن بن عبدالحي الكتاني.
وهو من أصحاب أخينا الحبيب الفقيه في الدين الشيخ أحمد عاشور، وقد يدل على أصل المرء ونبله صاحبه الذي ينتمي إليه وخليله الذي يخالُّه، والحمد لله على أني ما لقيت أحدا من أصحاب أحمد أغمزه في دينه وخلقه، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين والمتقربين إليك بالتقوى.
الغداء
تغديت مع الأخ تركي في مطعم (عمو حمزة) للمأكولات البحرية، في حي العزيزية بمخطط البنك، وهو مطعم متحضر راق، تناولنا فيه حساء روبيان، وسمك السلمون، وعصير الليمون مع النعناع، وكان الحساء لذيذا، وسمك السلمون من أعلى أنواعه، وأعجبتني نفاسة ذوق تركي في الطعام، وعنايته بالغذاء الصحي، فما أكثر ما نفسد قوانا لإهمالنا أصولا أودعها الله في طبائعنا إيداعا، وأرشدنا إليها بعقولنا إرشادا.
القهوة العربية:
وسألني الأخ تركي إذا كنت أرغب في قهوة أوربية أو قهوة عربية، ففضلت القهوة العربية، وأراد أن يعطيني تجربة رائعة لتقاليد مكة الشعبية، فأخذني إلى ديوانية، والديوانية هنا محاكاة للديوانيات في الكويت، ومعناها: غرفة استقبال الضيوف من الرجال الغرباء في البيوت العربية التقليدية، ومقاهي الديوانية كأنها خيام مفروشة، يجلس المرء مع أصحابه وضيوفه في خيمة منفصلة متكئين على فرش ووسائد.
والديوانية التي أخذني إليها هي ديوانية ابن محيا للقهوة العربية بحي النسيم، فدخلنا وجلسنا في ركن منها وكأنها غرفة صغيرة، واتكأنا على وسائد، وقدمت إلينا القهوة موضوعة فيما يسمى ب (الدلة) ومعها تمر سكري، وطحينة تصنع من السمسم، فتحسينا القهوة متخللة بأكل التمور نغمسها في الطحينة غمسا، والحق أنها تجربة رائعة، ولن أستغرب إذا رأيت الشيخ مجاهد علي يسعى في أحياء مكة القديمة بحثا عن ديوانية يستمتع فيها مع صاحبيه الشيخ ناصر والشيخ كبير الدين.
زيارات:
ثم رجعت مع الأخ تركي واصطحبت بناتي، وخرجنا لبعض الزيارات، زرنا أولا المعلاة، وهي مقبرة مكة المكرمة الشهيرة، في بداية طريق الحجون على يمين المتوجه إلى الحرم المكي من جهة حي المعابدة، نزلنا عند المقبرة، ودلنا الأخ تركي على قبر السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فسلمت عليها ودعوت لها بالمغفرة والرحمة، ثم قلت في نفسي: وما سلامي عليها! وكان جبريل عليه السلام يقرئها السلام، وما دعائي لها وقد بشرها الله ببيت من قصب في الجنة لا صخب فيه ولا نصب! وسمى لي تركي بعض المدفونين فيها كالشيخ علوي المالكي وشيخنا محمد بن علوي والشيخ حسن المشاط وجماعة.
ومررنا قبر سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما بالمحصب مقابل مدخل ريع داخر، وقد سبق الحديث عن قبره.
وزرنا المذابح التي تباع بها الأغنام من أنواع شتى، ووجدناها أغلى بكثير بالنسبة إلى أسعار الأغنام في المملكة المتحدة.
وزرنا مسجد الجعرانة، وبجانبه بئر جعرانة مغلق، وجعرانة على بعد 20 كلم شمال شرق مكة المكرمة، نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد عودته من غزوة حنين، وأحرم منها للعمرة في شهر ذي القعدة، وأخونا تركي يحرم منها كل عام في شهر ذي القعدة اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، جعلنا الله من المحبين لسنة خاتم النبيين وسيد المرسلين والمتبعين لآثاره، ففيها الهدى والفوز والفلاح.
الشيخ علي عيديد:
ثم صلينا العصر في مسجد قريب من منزل الشيخ علي عيديد، ودخلنا منزله، وسلمنا عليه وقبلنا يده، وهو العلامة، الفقيه المحب الفهامة، الداعي إلى الله الرحالة، التقي النقي، السيد علي بن حسين بن عبد الله بن حسن بن أحمد بن أبو بكر بن حسين بن زين بن شيخ بن عبد الرحمن بن محمد مولى عيديد، ولد في ذي القعدة من عام 1352هـ تقريباً في بلدة مَدُودَة على وزن معونة – من أعمال سيئون –، وأقام بها عشر سنوات تقريباً، ونهل من علوم والده مبادئها وأصولها ومناهجها، وحفظ بعض المتون كـسفينة النجاة، وفي هذه الدور والحلقات العلمية تلقى عن الحبيب السيد طه بن محمد بن أبي بكر، وابن أخته السيد علي بن محمد بن علي رحمهما الله تعالى وغيرهما، وفي عام 1362 هـ تقريباً انتقل والده الحبيب حسين إلى مدينة سيئون، وفيها التحق بمدرسة الشيخ محمد بِرِيكَاتْ، ودرس بها مدة ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى مدرسة النهضة والتي تأسست عام 1333هـ على يد المربي فضيلة السيد العلامة أبو بكر بن طه السقاف، واستفاد فيها من العلامة الفقيه القطب السيد الحبيب عبد القادر بن أحمد السقاف، والحبيب عيدروس بن سالم السقاف، والشيخ أحمد بن عمر باحميد، وعندما أنشأ والده زاوية للتعليم ودراسة العلوم الشـرعية قرب داره عين فضيلة العلامة الشيخ محسن بن قاسم الكثيري قيماً عليها لازمه خير ملازمة فحفظ عليه بعض المتون وقرأ الجم الوافر من الكتب .
ومن شيوخه: والده الحبيب حسين بن عبد الله عيديد، والسيد محمد بن هادي السقاف، والسيد أحمد بن موسى الحبشي وجل أخذه عنه، والسيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف، والسيد مصطفى بن أحمد المحضار، والسيد عبد القادر بن أحمد السقاف أخذ عنه في سيئون ومكة، والسيد أبو بكر عطاس الحبشي، والسيد عبد الله بن محمد بن حامد السقاف، والسيد علوي بن عبد الله بن شهاب، والسيد أحمد مشهور الحداد، والسيد عمر بن أحمد بن سميط صاحب زنجبار، والسيد علي بن عبد الرحمن الحبشي صاحب بتاوى، وفي مكة أخذ عن السيد محمد أمين كتبي، والشيخ حسن مشاط، والسيد علوي بن عباس المالكي، والشيخ عبد الله دردوم، والحبيب أبو بكر بن سالم البار، والشيخ محمد بن عبد الله الكحيلي، والسيد حسن فدعق وغيرهم .
سمعنا من السيد علي عيديد المسلسل بالأولية، وسمعنا عليه بقراءة أخينا تركي كتاب (الأبعون الوجيزة) تخريج الشيخ محمد زياد التكلة، أوائل الكتب: البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي واين ماجه والموطأ والمسند، وثلاثيات البخاري والترمذي وابن ماجه والمسلسل بحرف العين والمحبة والمعمرين فوق الثمانين .
وأجاز الشيخ لنا ولأولادنا، ولتلاميذي ولسائر من في الاستدعاء البريطاني، ودعا لنا بدعوات اغتبطت بها، ودعا لبناتي بدعوات، أجابها الله.
المفتي محمد رفيع العثماني:
وصلينا المغرب في مسجد في العزيزية الشمالية في جهة منى، ثم زرنا شيخنا الكريم محمد رفيع العثماني، وحضر لزيارته من أصحابنا الشيخ ناصر، والشيخ مجاهد، والشيخ كبير الدين، والإخوة عبد الحكيم وعمران وسهيل وأشجع.
وهو العلامة الفقيه المفتي محمد رفيع العثماني بن الشيخ المفتي محمد شفيع بن الشيخ ياسين بن خليفة تحسين علي بن ميانجي امام علي بن ميانجي الحافظ كريم الله بن ميانجي خير الله بن ميانجي شكر الله، ولد في الثاني من جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وثلاث مائة وألف في ديوبند من الهند، أخذ الموطأ برواية يحيى بن يحيى، والشمائل للترمذي من والده، وصحيح البخاري من المفتي رشيد أحمد اللديانوي، وصحيح مسلم من الشيخ أكبر علي السهارنفوري، وسنن النسائي، والموطأ برواية محمد من الشيخ سحبان محمود، وسنن أبي داود وجزءًا من سنن ابن ماجه من الشيخ القاري رعاية الله، وسنن الترمذي من شيخنا سليم الله خان، وشيئًا من سنن ابن ماجه من محمد حقيق.
ويروي عن والده وعن الشيخ حسن المشاط، والشيخ الفاداني، ومحمد إدريس الكاندهلوي، والشيخ ظفر أحمد العثماني التهانوي، ومحمد زكريا الكاندهلوي، ومحمد طيب القاسمي، وأحمد كفتارو مفتي جمهورية سورية، وشيخنا عبد الله الناخبي.
وله التعليقات النافعة على (فتح الملهم)، وبيع الوفاء، وحواش على شرح عقود رسم المفتي، وضابط لمفطرات الصوم في المذاهب الأربعة، والأخذ بالرخص وحكمها، وله أشياء أخرى باللغة الأردية.
ولقيته مرارا، منها في نوتنكهام ومعي الأخ زيد الإسلام وآخرون، فسمعنا منه المسلسل بالأولية بروايته عن حسن المشاط، والفاداني، والناخبي، وأجازنا إجازة عامة موقعًا على ثبته (الفضل الرباني في أسانيد محمد رفيع العثماني).
وشرفني بالزيارة في أوكسفورد ليطلع على عملي في شرح مسلم فأعجب به، وذكرني في بعض مؤلفاته بالأردية.
ولقيته اليوم فعرفني وتذكر زيارته لأوكسفورد، وسألته أن يسمعنا الأولية، فأسمعنا، وأعطاني ثبته، أجازني فيه وبناتي المتخرجات وأصحابي العلماء، وأهدى إلي بعض مؤلفاته، ودعا لبناتي، وخصهن بالسلام، فجزاه الله تعالى خيرا.
واستاء بعض أصحابي إذ لم يعم الشيخ الإجازة للجميع ولم يجز على الاستدعاءات، ومذهبي في مثل هذا الصبر، فما نفس امرئ بملومة إذا هي لم تعط المنى في قصدها وطموحها، ولنتذكر أن عاجل تقوى الله والصبر في سبيله وعلى ما قضى وقدر أكبر زاد السالكين.
الشيخ الصابوني:
ثم زرنا بعد العشاء الشيخ الصابوني ومعي بناتي والشيخ مجاهد علي، ولم يتيسر هذا اللقاء إلا بفضل من الله وسعي أخينا تركي الفضلي، فجزاه الله خيرا.
وهو فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني، ولد في سورية بمدينة حلب الشهباء عام 1930م من أسرة عريقة بالعلم، وتلقى علوم العربية والفرائض وعلوم الدين على يد والده الشيخ جميل، وحفظ القرآن الكريم في الكُتّاب وأكمل حفظه في الثانوية وهو في سن مبكرة، ومن أبرز شيوخه فضيلة الشيخ محمد نجيب سراج، وفضيلة الشيخ أحمد الشماع، وفضيلة الشيخ محمد سعيد الإدلبي، وفضيلة الشيخ راغب الطباخ، وفضيلة الشيخ محمد نجيب خياطة شيخ القراء، وغيرهم من العلماء والشيوخ الأفاضل في ذلك العصر، وكان يحضر دروساً خاصة على أيدي بعض الشيوخ في المساجد والبيوت.
وتلقى الدراسة النظامية في المدارس الحكومية، ولما حصل على الشهادة الابتدائية انتسب إلى إعدادية وثانوية التجارة فدرس فيها سنة واحدة، ولما لم توافق ميله العلمي -لأنهم كانوا يعلِّمون فيها الطلاب أصول المعاملات الربويّة التي تجري في البنوك- هجر الإعدادية التجارية (مع أن ترتيبه فيها كان الأول على زملائه) وانتقل إلى الثانوية الشرعية التي كانت تسمى (الخسروية) في مدينة حلب وفيها درس الإعدادية والثانوية، وكانت دراسته فيها مزدوجة تجمع بين العلوم الشرعية والعلوم الكونية التي كانت تدرس في وزارة المعارف، فقد كانت المواد الشرعية كلها من التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والفرائض، وسائر العلوم الشرعية إلى جانب الكيمياء والفيزياء والجبر والهندسة والتاريخ والجغرافيا واللغة الإنجليزية تدرّس أيضاً فيها، وكانت دراسته جامعة بين الدراسة الشرعية والدراسة العصرية، وتخرج من الثانوية الشرعية عام 1949م، ولما أنهى دراسته الثانوية بتفوق ابتعثته وزارة الأوقاف السورية إلى الأزهر الشريف بالقاهرة على نفقتها للدراسة الجامعية، فحصل على شهادة كلية الشريعة منها بتفوق عام 1952م، ثم أتمّ دراسة التخصص فتخرج عام 1954م من الأزهر الشريف حاصلاً على شهادة (العالمية في تخصص القضاء الشرعي).
ورجع بعد دراسته في مصر إلى بلده (سورية) فعيّن أستاذاً لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب الشهباء ودور المعلمين، وبقي في التدريس ثماني سنوات منذ عام 1955 م إلى عام 1962م، وانتدب إلى المملكة العربية السعودية أستاذاً مُعاراً من وزارة التربية في سورية للتدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وكلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز فرع مكة المكرمة، وكان على رأس البعثة السورية إلى المملكة آنذاك، فدرّس فيها ما يقارب ثمانية وعشرين عاماً، وتخرج على يديه أساتذة الجامعة في هذه الفترة الطويلة، ونظراً لنشاطه العلمي في البحث والتأليف فقد رأت جامعة أم القرى أن تسند إليه تحقيق بعض كتب التراث الإسلامي فعيّن باحثاً علمياً في مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي.
واشتغل في تحقيق كتاب (معاني القرآن) للإمام أبي جعفر النحاس المتوفى سنة 338هـ، وقد خرج الكتاب في ستة أجزاء، بعد ذلك انتقل الشيخ للعمل في رابطة العالم الإسلامي كمستشار في هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وبقي فيها عدة سنوات قبل أن يتفرغ للتأليف والبحث العلمي، ومن مؤلفاته صفوة التفاسير، وروائع البيان في تفسير آيات الأحكام، وقبس من نور القرآن الكريم، والتفسير الواضح الميسر، وكشف الافتراءات في رسالة التنبيهات حول صفوة التفاسير، والتبصير بما في رسائل بكر أبو زيد من التزوير .
سلمنا عليه وقبلنا يده، وأجاز لنا ولأولادنا إجازة عامة، ودعا لنا بدعوات كريمات، وخص بناتي بدعوات، فجزاه الله خيرا ورفع مكانه.
الرجوع إلى الفندق:
تعبنا اليوم تعبا كبيرا، ولولا سعي أخينا تركي لما أمكننا إنجاز هذه المهام في يوم واحد، وقد حرص على نفعنا بوجه باسم وبشر طلق، صابرا وشاكرا ، ما أقل الصابرين في عصرنا! وما أقل المقبلين على ما يهمهم عازمين عليه! ولا توافق الحياة وطيباتها إلا من وافق عزمه الإنفاذ، ووافق قصده السعي، وإن العظيم على العظيم صبور، ولربه حماد شكور.