بقلم: محمد أكرم الندوي
بسم الله الرحمن الرحيم
قالوا: ما الأسرة؟
قلت: معناها في اللغة: الدرع الحصينة، ومعناها في العمران البشري: العشيرة القريبة التي يتدرع بعضها ببعض، متواصلة الوشائج، مترابطة الأواصر، ومتوافقة الأحاسيس والأفعال.
قالوا: ما معنى تفكك الأسرة؟
قلت: هو فشل الأبوين أو أحدهما في القيام بواجبه، المؤدي إلى ضعف العلاقات بين الآباء والأولاد وحدوث التوتر بينهم، وبعد بعضهم عن بعض، وانعدام الانسجام التعاطفي والتعاوني بينهم، ثم انهيار في سلوك الأسرة واختلال في سيرها الطبيعي، وانفراط عقدها وانحلاله، وهو أس المشاكل الاجتماعية، ورأس العقبات العمرانية.
قالوا: ما سبب تفكك نظام الأسرة في العصر الحديث؟
قلت: يرجع ذلك إلى فصل الجنس عن التناسل، وقد تفاقم الوضع منذ الستينات من القرن الماضي بتوفر الحبوب والطرق المانعة للحمل، وعملية الإجهاض، وإسقاط الجنين.
قالوا: ائتنا ببيان شاف،
قلت: لا يخفى على من درس فطرة البشر وسبر حقيقة الاختلاف النوعي بين الرجل والمرأة أن الهدف الأصيل من وراء العلاقة الجنسية ليس الاستمتاع أو الالتذاذ، وإنما مرماها الطبيعي الجلي هو إنشاء الجيل الجديد ورعايته، وإذ كانت المرأة هي التي تلعب الدور الريادي في هذا المجال حمِّل الرجل كافة التكاليف تجاه زوجته وأولاده من تنظيم السكن والنفقة وغيرها لهم في بيئة آمنة ومناخ سليم، وتمخض إحداث الفصل بين الجنس والهدف والمسؤولية عن ضياع معنى الأسرة وانفصام أسبابها، وقد كان من الواجب أن يلازم هذا المعنى العلاقات الجنسية ملازمة تامة وأن لا يقصى عنها، وأن لا يفرض أي تجاف بين الأمرين.
قالوا: ولكن النساء يرين هذا الفصل يخفف المؤنة عنهن ويرفعهن إلى مستوى الرجال ويحسِّن عيشهن تحسينا.
قلت: قد دُفعت النساء إلى هذه النظرة دفعا قويا من بعض الجهات المشبوهة المعادية لفطرة بني آدم والمناوئة للعقول والخبرات، وقد ألحقتْ بهن ضرارا بالغًا وجرِّت لهن الويلات وشقاء، وصرن كالبضائع وأدوات للاستمتاع مهدرة الكرامات والحرمات، يتم تقييمهن وتقدير دورهن على أساس الجاذبية الجنسية وأنهن مصايد لشهوات الرجال ومجالب للانتشاء والحب الغريزي لهم، بدل أن ينظر إليهن أو يتم تقييمهن على أساس دورهن في المستقبل كزوجات أو أمهات أو راعيات للبيوت ومربيات للأجيال الناشئة.
قالوا: وهل لاتجاه العمل والتوظف دور في تفكك نظام الأسرة؟
قلت: نعم، ففي الوقت ذاته أي منذ الستينات قد بذلت جهود منسقة مكثفة لتقديم النساء في مكان العمل والوظيفة إطماعا لهن أن ذلك يؤدي إلى استقلالهن وتحريرهن من اعتمادهن على آبائهن وأزواجهن، وصار دور المرأة كالزوجة والأم ذليلا مهانا، وخسرت النساء طاقاتهن الكامنة وصلاحياتهن المودعة فيهن، وبالتالي أصبحت عملية الولادة مكروهة مستاء منها يزدرى بها أي ازدراء، وإن لبَّتْ امرأة لفطرتها واستجابت لعقلها وقررت أن تترك عملها من أجل الولادة والتربية أحست بالضغط الاجتماعي والقسر العادي للعودة إلى العمل.
قالوا: وما أثر غياب النساء عن البيوت؟
قلت: إن إلحاح النظام الاجتماعي الجديد على أن تقضي النساء أوقاتهن في الوظيفة والعمل فرض عليهن أن يضعن صغارهن في الرعاية اليومية حيث يحرمون المحبة اللازمة والاعتناء الضروري للتكوين الطبيعي الصحيح، وينشأون في أشباح من خوف وقلق مثل الأيتام الذين لا يرحبون في مناخ أسري آمن مستقر ومحفوظ، وبما أن الأبوين يعملان فإنهما يغريان أن يتجنبا علاقة أبوية طويلة مع أولادهما، ومن ثم يفضلان أن يصرفا أبصارهما عنهم بشغلهم بالألعاب الألكترونية والمسليات المصطنعة، ووسائل الترفيه المختلقة، فينقص الأطفال شعور بالانتماء إلى الأسرة معانين من فراغ عاطفي وانحراف سلوكي، لا يشاركونها في أفراحها وأحزانها، ولا يشاطرونها مسؤولياتها وواجباتها، ويزداد التجافي بينهم وبينها ازديادا.
قالوا: اشرح تأثير هذا الوضع السلبي.
قلت: قد ذكرته لكم، ويستتبع ذلك أن الأطفال لا يُنمون الاتصال الآمن مع آبائهم وأسرتهم اللازم لصياغة شخصياتهم وأخلاقهم. وبدلا من أن يتملكوا أخلاقا قوية فإنهم يطورون أمزجة قوية متمادين في حاجة ملحة إلى رعاية دائمة وإشراف غير منقطع، لما يعانون من قلة التركيز والاضطراب الداخلي، والحساسية المفرطة، وفقدان الثقة بالنفس، والانطوائية، والأنانية، وقد يكبرون وهم يحقدون غيرهم ويحسدونهم انطلاقا من أن الجميع أفضل منهم، ويلازمهم حزن وغضب بشكل مستمر.
قالوا: فما توصينا؟
قلت: لا تحاربوا الفطرة ولا تشاقُّوا العقل، وارجعوا إلى هدى ربكم، فلا أنصح منه للرجال والنساء، وكونوا عباد الله خاشعين له، غير مستكبرين ولا طاغين، “كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى، إن إلى ربك الرجعى”.