بقلم: محمد أكرم الندوي
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي أحمد بارك الله فيكم وزادكم علما وفضلا! فيما يلي تعريب الاستفتاء وجوابه إلى العربية على ما اقترحتم:
ورد إلي السؤال التالي من بعض الإخوة العاملين في مجال الدعوة الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية:
“… إن الأم المؤجرة لرحمها لم يتم حقنها بالمادة المنوية، ولكن بالبويضة المخصبة، فأستشكل إدراك معنى إلزام الزوج نكاح الأم الحاملة للبويضة، وإن كانت المدعاة إليه تأمين الكفالة الاجتماعية وحماية الحقوق، فإن هذا التأمين متوفر من العقد القانوني الذي يتم بين الأم المؤجرة وبين الأبوين الشرعيين، هذه الممارسة غير مسبوقة بنظير في الفقه الإسلامي، وأرى صعوبة وعسرا في البحث عن المقيس عليه لها، فما رأيكم في هذه المسألة؟ أرغب في الاطلاع عليه”.
فكتبت إليه بما يلي:
إن تأجير الرحم وإعارتها عملية تنسيق، توافق فيها امرأة على أن تحمل بويضة مخصبة المدة الكاملة إلى أن تلد لحساب زوجين سيكونان أبوين شرعيين للطفل، وقد يضطر الزوجان إلى استئجار الرحم أو استعارتها في حالة تعذر الحمل الطبيعي أو خطورته لصحة المرأة، تسمح بعض الدول بهذه العملية على أساس ما فيها من إسعاف للأزواج العادمي الأولاد.
ألاحظ صعوبات في هذا التنسيق، بعضها أخطر من بعض:
1- إنه يدل على قلة الرضا بقضاء الله، ويتضمن ضعفا أو خللا في الإيمان بربنا تبارك وتعالى والتوكل عليه، يجب على المسلمين أن يحصروا رغباتهم ومطالبهم في نطاق ما يباح لهم في دينهم، ويجري وفق السنن المشروعة لهم، وإذا لم تتيسر رغباتهم على الوجه المباح والسنن المشروعة فإن الأفضل لهم أن يصبروا، والصبر إن لم يرزقوا ولدا في أن يتسلوا برعاية أبناء إخوانهم وأخواتهم وبناتهم، أو أولاد آخرين تصلهم بهم وشيجة نسب، ومن المكرمة والنبل أن يتبنوا ويحتضنوا اليتامى الذين قد امتلأت بهم الأرض وهم في أشد حاجة إلى من يرعاهم ويتولى أمرهم.
2- إنه يصغِّر الأمومة إلى اقتصارها على إنتاج البويضة، من دون أن يعير أي أهمية لحمل الطفل في الرحم وتنميته فيها، بينما نرى القرآن الكريم يربط فضل الأمومة وكثير من أواصرها العاطفية بحمل الطفل كرها ووضعه كرها ثم رضاعه وفصاله، ولا ريب أن المرحلتين الأوليين تتطور فيهما علاقة متينة بين الأم والطفل، وقد أثبتت كثير من الدراسات الأخيرة أن الطفل يتأقلم ويتوافق مع الترنيمات الجسدية والكيمياء والأنماط الصوتية للأم التي ينشأ ويتطور في رحمها.
3- ومن ثم إنه لمن ظلم الأم المؤجرة وإجحافها أن يستغل فقرها لتعاني هذه الآلام معاناة ثم ترغم على فصل نفسها من الطفل الذي ولدته، وتتحقق هذه المعاناة مهما تمت مكافأة الأم المؤجرة لخدماتها أم لم تكافأ، وإن الحالة الوحيدة التي يمكن تعويض هذه المعاناة فيها إذا كانت الأم المؤجرة لها نسب قريب مع الأم الشرعية، وإذن تتسلى بأنها تساعد قريبتها، وبأنها سترى الطفل ينمو أمام عينيها.
4- لا يستنتج من ذلك أن يباح تأجير الرحم إذا كان عن طواعية من دون مكافأة مالية وفي حدود الأسرة الممتدة، ومأتى ذلك أن هذه الإباحة لن تشجع إلا ادعاءات كاذبة للقرابة بين الأم المؤجرة والأم التي تم تخصيب بويضتها، وهو أمر واقع غير مستبعد، فإن كل قانون يحظر مكافأة مالية لامرأة تحمل طفل غيرها، ورغم ذلك فإنها ظاهرة متفشية.
5- المبدأ العام الذي يجب أن يتبع أن لا تجعل أمرا مباحا أو مشروعا لمجتمع إذا كان ذلك الأمر لا يقع إلا في صور استثنائية. وهناك مبدأ آخر خطير يشرح حكمة ذلك المبدأ، وهو مبدأ التوقي والحذر، ومعناه أن لا تمارس شيئا لأنك تقدر عليه، فلا تبرر تكنولوجيا حتى تكنولوجيا طبية على أساس تواجدها، بل على أساس آثار استخدامها وعواقب تطبيقها، وثمة آثار وعواقب يمكن التنبؤ بها فلا بد أن يحسب لها حساب، وإن لم يمكن التنبؤ بآثار تكنولوجيا وعواقبها فإنه يمكن أن يسمح بتجربة لها واختبار على مستوى ضئيل جدا إن كانت التكنولوجيا تتعهد بنفع كبير.
ومن النقاط المذكورة أرجو أن تفهم ضرورة الصبر وقيمته الرفيعة.
وإن نقطة النكاح – لا شك – ليس لها علاقة بالموضوع البتة، أولاً- لأن مثل هذا النكاح سيكون مؤقتا، وهو نكاح محرم عند أهل السنة أجمعين، وثانيا- لأن مشكلة كون الأم المؤجرة مرتبطة بالطفل تتفاقم بإيجاد عقد شرعي بينها وبين الأب، فإن لها الآن دافعا أقل لتقاسي فصل نفسها من الطفل.