الكَنْز الفَريد في ترجمة العلامة المؤرخ محمد مطيع الحافظ وأعماله وماله من الاتصالات والأسانيد

Reading Time: 13 minutes

بقلم: محمد أكرم الندوي

الفصل الأول في ترجمته

العلامة المسند المقرئ البحاثة مؤرخ الشام الشيخ محمد مطيع بن محمد واصل بن الشيخ عبدالرحيم بن عبدالله بن عبدالقادر بن عبدالوهاب الشهير بـ(دبس وزيت)، ينتهي نسبه إلى الإمام الرباني الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى. وهو ابن أخي العلامة المقرئ الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت. عرفت أسرته بالحافظ لكثرة من نبغ فيها من حفظة كتاب الله عز وجل البارعين المتقنين.

مولده: ولد في حي العقيبة قرب جامع التوبة بدمشق في شهر ربيع الأول سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وألف الهجرة (سنة 1940م).

نشأته: نشأ في بيئة علمية ودينية، وفي صلاح وعفاف، وعني بالقرآن الكريم واللغة العربية وهو صغير، وتوفي والده سنة 1952م، وهو دون البلوغ في الثانية عشرة من عمره، فربّاه عمّه الشيخ عبد الوهاب أحسن تربية، ورعاه أتم رعاية.

واقترن بالشيخ أبي الخير الميداني مصاحبا له ملازما، ينهل من نميره الفياض ويعب منه عبا، يغشاه في بيته ومجالسه كل يوم أكثر من مرة، ويخدمه ويعتني به، ويجلسه الشيخ في اجتماعات رابطة العلماء قريبا منه فإذا احتاح إلى شيء لبَّاه مجيبا له معينا.

أخذه للغة العربية وآدابها: وتلقى اللغة العربية وعلومها وآدابها عن ثلاثة من فطاحل علماء جامعة دمشق الجامعين بين العلم الأكاديمي والعلم الشرعي: الأستاذ سعيد الأفغاني، والأستاذ شكري فيصل، والأستاذ أحمد راتب النفاخ.

دراسته الجامعية: ودرس في جامعة دمشق في قسم اللغة العربية، وحصل على شهادة البكالوريوس منها سنة 1974م، ونال شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة البنجاب بلاهور سنة 1988م، والدكتوراة في الدراسات الإسلامية من أكاديمية العلوم بأذربيجان سنة 1994م، وكانت رسالته للدكتوراه حول موضوع “القراءات وكبار القراء في دمشق”، ذكر فيها أن دمشق كانت قراءتها للأئمة الثلاثة: عبدالله بن عامر الدمشقي، وأبي عمرو بن العلاء البصري، وعاصم بن أبي النجود الكوفي (برواية حفص عنه)، وترجم فيها لهم ولأصحابهم، وعرض فيها مدارسهم وتاريخها مستوفيا لها استيفاءً.
واكتسب شهادة خبير في شؤون المخطوطات من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بجامعة الدول العربية في القاهرة سنة 1980م.

سماعاته والإجازات له: وله سماعات كثيرة وقراءات واسعة على الشيوخ، وستأتي تفاصيلها في تراجمهم، وتحققت له إجازات من كبار مسندي عصره.

ومن شيوخه الذين سمع منهم أو قرأ عليهم: عمه العلامة المقرئ عبد الوهاب دبس وزيت، والعلامة الكبير أبو الخير الميداني، والشيخ المسند إبراهيم الختني، والشيخ محمد سعيد البرهاني، والعالم المحقق إبراهيم اليعقوبي، والعالم الأديب أحمد نصيب المحاميد، والعلامة المفتي أبو اليسر ابن عابدين، والعالم المصلح محمد صالح الفرفور، والشيخ محمد الهاشمي.

ومشايخه بالإجازة كثيرون، ولعل عددهم يجاوز الخمسين شيخًا، منهم العلامة المحدث عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ محمد علي المراد الحموي، والشيخ عبد الله سراج الدين الحلبي، والعالم الكبير علي الدقر، والعالم المسند عبد العزيز بن محمد بن الصديق الغماري، والمسند المعمر عبد الله بن أحمد الناخبي، والشيخ عبد الله بن إبراهيم الغلاييني، والشيخ كريم راجح، والشيخ مالك بن العربي بن أحمد الشريف السنوسي، والعلامة المحدث محمد عبد الرشيد النعماني، والشيخ علي بن محمد بن عبد الله الله البوديلمي، والعالم الفقيه عبد الرحمن بن أبي بكر الملا الأحسائي، والشيخ عبد المحسن الأسطواني، والشيخ محمد بن ملحم أبو ظاهر، والشيخ محمد بن عبد الهادي المنوني، والشيخ محمد أمين سراج، والشيخ محمد تيسير المخزومي، والشيخ محمد ثابت كيالي، والشيخ محمد صالح الخطيب، والشيخ محمد عبد الرب النظاري، والشيخ أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد، والشيخ السيد محمد القادري الحسيني نقيب الأشراف، والعالم الرباني عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ محمد هشام البرهاني، والشيخ محمد يوسف الحسني، والشيخ علي حميد أحمد قاسم الصعفاني المكي اليماني، والعالم الفقيه وهبي سليمان غاوجي، والشيخ ياسين بن محمد عبد الباري، والشيخ يوسف هاشم الرفاعي، والشيخ شاه جهان الأفغاني، والشيخ عارف عثمان، والشيخ محمد عبد الحكيم شرف القادري.

زواجه: تزوج من وداد بنت قاسم الزرّلي (المولودة سنة 1955م)، ولد له منها آلاء وبيان، ولهن (أي لبنتيه وأمهما) إجازة عالية من الشيخ المسند عبد العزيز بن محمد بن الصديق الغماري، وقد قرأن على الشيخ مطيع (الأنوار النبوية) له، استخرج فيه أربعين حديثا فى شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، يروي كل حديث منها عن مشايخه بأسانيدهم، وأجاز لهن إجازة عامة، ولهن سماع للمسلسل بالأولية، وحضرن عليه دروس التجويد، وبعض كتب التفسير وعلوم القرآن الكريم، والنحو.

أعماله ووظائفه: اشتغل بالتأليف وتحقيق المخطوطات إضافة إلى عمله بإدارة مكتبة مجمع اللغة العربية بدمشق، وإدارة مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، ثم رئاسة قسم ولجنة طباعة مصحف الشيخ مكتوم الذي صدر عام 1423هـ، وألقى المحاضرات والدروس في عدد من الجامعات، وشارك في كثير من الندوات العلمية، وهو الآن كبير باحثين أول في قسم المصحف والمطبوعات في إدراة البحوث في دائرة الشؤون الإسلامية بدبي، ويتولى الإشراف على طباعة المصحف وتدقيق المصاحف.

أخذه للطريقة النقشبندية: وأخذ الطريقة النقشبندية من الشيخ أبي الخير الميداني، وكان المشايخ في بلاد الشام لا يجيزون بالطريقة النقشبندية إلا العلماء، ثم تساهلوا مترخصين، وأجازوا طلبة العلم وعامة الناس بها. قال الشيخ أبو الخير له يومًا: صلّ الليلة ركعتين، ونَمْ على وضوء، وأخبِرْني في الصباح مارأيت. يقول الشيخ مطيع: فرأيت في الليلة أني أسير في طريق، وقد سلطت الشمس على الطريق بأنوار، ثم وجدت في آخر الطريق الشيخ أبا الخير الميداني، فقلت له: ياسيدي رأيت كأني أسير في طريق منير والشمس تسطع، فقال في المنام: اجلس أعطك الطريقة النقشبندية، وفي الصباح بعد الفجر تأخرت قليلا خشية إزعاج الشيخ، فعندما دخلت قال: لماذا تأخرت؟ أنا انتظرتك منذ الفجر، حدثني مارأيت، فحدثته، فقال: اجلس، ولقنني الذكر وعلَّمني آداب الطريق وسائر عادات القوم.

تلاميذه والرواة عنه: قرأ عليه عدد كبير من طلاب العلم، واستجازه عدد أكبر، وممن عرف بالأخذ عنه إخواننا وأصحابنا الكبار: الشيخ المسند المؤرخ محمد ين عبد الله آل الرشيد، والشيخ المفسر المحقق مجد بن أحمد مكي، والشيخ محمد زياد التكلة، والعالم الصالح النابه أحمد عاشور، والعالم الأصولي الفقيه عبد الله التوم، ودرة بلاد الشام الشيخ عمر النشوقاتي، والعالم الكبير محمد وائل الحنبلي، والعالم البحاثة خالد السباعي، والعالم المحقق محمد الشعار، وحضرته مع أهلي وبناتي في دمشق، وسمعنا عليه أشياء وأجاز لنا إجازة عامة، وسمعت عليه أيضًا في منزله بدبي.

علو أسانيده: وهو صاحب أسانيد حديثية عالية، تفرد بالأخذ عن أبي الخير الميداني وغيره في تلك الطبقة.

فضله ومحاسنه: وهو عالم كبير، محدّث بصير، ومؤرخ ضليع، عالم بالقرآن الكريم والتفسير، يحب الخير ويسعى فيه، مطيع لله تعالى، تقي نقي.

تربى على أجلاء علماء الشام من أمثال عالم الشام الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت، والشيخ العلامة أبي الخير الميداني رئيس رابطة العلماء في سوريا وغيرهم، يتحلى بأخلاق العلماء من العلم والعمل والصبر والتواضع ودماثة الخلق، مرجعه الكتاب والسنة، وهو عارف للعلماء فضلهم وقدرهم، وناصح لطلابه وسائر إخوانه يساعدهم ويلبي حاجاتهم، ومحسن الظن بعامة المسلمين، وذو أدب مع المخالفين، مترفعا عنهم متغاضيا.

2 كبار شيوخه

وأقدم الآن ترجمة شيوخه مع ذكر تفاصيل مسموعاتهم ومقروءاتهم وإجازات

عمه: العلامة القارئ المجود المتقن الحافظ فقيه الحنفية، الشيخ الورع الزاهد، عبد الوهاب بن عبد الرحيم الحافظ المشهور بـ”دبس وزيت”. ولد في حي العقيبة بدمشق سنة 1311هـ الموافق لـ 1893م، وحفظ القرآن الكريم على والده ولما يبلغ الحلم، وأعاد قراءته على الشيخ محمد سليم الحلواني شيخ القراء وجوده وضبط القراءة وأتقنها.

وأخذ عن الشيخ محمود ياسين علوم اللغة والفقه الشافعي، وأخذ الفقه الشافعي أيضًا عن الشيخ أحمد الجوبري، وتلقى عن الشيخ أمين سويد أصول الفقه والتصوف، وسمع على الشيخ محمود العطار كتب أصول الفقه واللغة العربية، و(حاشية الباجوري على الجوهرة في التوحيد).

ومن شيوخه أيضًا الشيخ حسن حبنكة الميداني، والشيخ صالح الفرفور، والشيخ عبد القادر الإسكندراني، والشيخ صالح الحمصي، والشيخ عبد الرحمن البرهاني، واستفاد من العلامة الشيخ عبد الحكيم الأفغاني، والشيخ سليم المسوتي، وأخذ عن الشيخ عيسى الكردي الطريقة النقشبندية. وكان أعظم شيوخه تأثيراً فيه مفتي الشام الشيخ محمد عطا الكسم.

وحصل على ثلاث إجازات: إحداها من المحدث الأكبر الشيخ محمد بدر الدين الحسني ، والثانية من شيخه مفتي الشام محمد عطا الكسم، أجازه فيها بالمعقول والمنقول، وبكل ما تجوز له روايته من علوم الشريعة، والإجازة الثالثة من الولي الصالح الشيخ محمد رضوان عالم المدينة المنورة، وهي إجازة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبدلائل الخيرات.

وكان له حظ وافر في الفقه والتربية والسلوك وأصول الحديث واللغة العربية، وذاكرة فريدة، وعلم غزير، وتواضع عزيز، وهيبة ووقار، مع أدب وأنس ورزانة، توفي رحمه الله بدمشق، ودفن بمقبرة الدحداح يوم الأربعاء 10 رمضان1399هـ وعمره 75 عام .

قراءاته عليه: بدأ شيخنا محمد مطيع بأخذ النحو وقواعد اللغة العربية عنه، ومما قرأ عليه كتاب (الدروس النحوية)، وكتاب (نظم اللآلي) في الشعر، يشرحه ويطبق فيه النحو، وأخذ التجويد أكثره مشيًا على الأقدام في الطريق، كان يرافقه في الطريق، يأخذ مثلا المد الطبيعي، ويشرحه له، وقرأ عليه أكثر من عشرة أجزاء من القرآن الكريم حفظا، وسمع عليه القرآن كله مرارا، فقد كان يعمل ختمات كثيرة، ثم تابع حفظ القرآن الكريم على الشيخ حسين خطاب، والشيخ محمد سكر، ولكن لم يتممه إلا متأخرا، اللّهم اجعلنا من حفظته.
وقرأ عليه (شرح قطرالندى) في جلسات كثيرة، وكان الدرس في تحقيق وإتقان، وقد لا يقرأ غير سطر واحد في الجلسة.

وكان يحضر عليه في دروسه الخاصة والعامة، فسمع عليه كتاب (مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح) أكثر من مرة، و(حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح) لأحمد بن محمد بن إسماعيل الحنفي الطحطاوي، و(اللباب في شرح الكتاب) لعبد الغني الميداني الدمشقي، وكان يرويه بإسناد عال، لأنه تلقاه عن شيخه عطاء الله القسم، الذي تلقاه عن المؤلف.

وقرأ عليه كتاب (الهدية العلائية لتلاميذ المكاتب الابتدائية) في الفقه الحنفي بشكل منفرد وحده، وقسما من حاشية ابن عابدين، و(الاختيار)، و(منية المصلي)، و(شرح الحكم العطائية) لابن عباد النفزي الرندي والشيخ عبد الله الشرقاوي، وقرأ عليه في الأصول (شرح المنار) لابن ملك، وحضر عليه بعض الجلسات لكتاب (تحفة الفقهاء) لعلاء الدين السمرقندي، درّسه لفئة من الطلاب، كانوا يدرسون في جامعة دمشق.

وتلقى عنه سير العلماء والصالحين، ولازمه ملازمة تامة وخدمه واستجازه، وكان الشيخ يكرمه ويقربه ويحبه، وبشَّره ببشائر كثيرة علمية وعملية تحققت بعد وفاة الشيخ رحمه الله تعالى.

الشيخ أبو الخير الميداني: الشيخ العلامة محمد خير (أبو الخير) بن محمد بن حسين بن بكري، الميداني، ولد في حي الميدان بدمشق سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف، ودرس في أحد كتاتيب الحي القرآن الكريم، ثم التحق بالمدرسة الرشدية، ثم بمكتب عنبر، وأتم تحصيله العلمي بمدارس دمشق، ونال شهاداتها العالية العلمية المعروفة وقتئذ.

واختلف إلى الشيخ سليم المسوتي، وقرأ عليه جملة من كتب الحديث والفقه الحنفي، وغير ذلك، حتى قال له: “لم يبق عندي شيء إلا صار في صدرك”، وأرشده إلى الشيخ عبدالحكيم الأفغاني، فدرس عليه نحواً من أربع سنوات قرأ عليه خلالها فروع الفقه الحنفي.

ولازم الشيخ عيسى الكردي ملازمة تامة حتى توفي سنة 1321 ه ، وتردد خلال طلبه إلى مشايخ الشام، فأخذ عنهم فنوناً عديدة، وتلقى القرآن الكريم وتجويده عن الشيخ محمد القطب، وقرأه أيضاً مدة يسيرة على الشيخ عبدالرحيم دبس وزيت، وأخذ أصول الفقه عن الشيخ أمين سويد، والحديث النبوي الشريف عن الشيخ عبدالرحمن البرهاني، واستفاد من الشيخ سلطان الداغستاني (من علماء المدينة المنورة)، والشيخ عطا الكسم مفتي الشام، وشيوخ آخرين، وأجازوه ظاهراً وباطناً في المعقول والمنقول.

ورسخت قدمه في الحديث النبوي الشريف ورجاله، وبه كانت شهرته، وما سئل عن حديث إلا بيَّنه وذكر من أخرجه، وفصل رواته، ومن أخذ به من الأئمة ومن ضعفه، وأتقن السيرة النبوية، والمغازي، والتاريخ الإسلامي بتفصيل وتدقيق، يحكي حوادثه بحسن تصوير، وإلقاء مشوق، فيجلب السامعين ويؤثر فيهم. وكان له تمكن في الطب والفلك، وتعبير الرؤيا، والحساب، والجبر، وعلم الطبيعة، والجغرافيا، وغيرها من العلوم الكونية، إضافة إلى محبته للشعر القديم والحديث، وحفظه الجيد منه.

وكان رجلا ربّانيّا، توفي ليلة السابع عشر من رمضان 1380ه ودفن في مقبرة الدحداح .

قراءاته عليه: حضره الشيخ محمد مطيع في جلساته العامة، وقبيل وفاته بسنة ونصف تقريبا حضره في جلسة خاصة علمية توجيهية، سمع فيها عليه (الجامع الصغير).

وحضر لديه (مجمع الزوائد للهيثمي)، وكان الشيخ دقيق العبارة، فوجد في النسخة التي كانوا يقرأون منها أخطاء كثيرة، فكانوا يذهبون إلى مكتبة الظاهرية ويضبطون الكتاب على نسختين من مكتبة الظاهرية، وكان الشيخ يسرُّ بهذا التحقيق جدّا، وكانوا يقرأون عليه (راموز الحديث) للكمشخانوي، وهو على طريق (الجامع الصغير)، و(الفتوحات المكية)، وفي الجلسات الخاصة كان يشاركه الشيخ عبد المجيد الحمناوي، والشيخ مظهر تللو.

وقال لي الشيخ مطيع: وعندما يقرأ (أي الشيخ أبو الخير الميداني) لا يعني أنه يقرأ الحديث فقط، بل كان يحيط بكل جوانبه من التاريخ وعلم الرجال، وكان من أعلم الناس في علم الرجال، وقال الشيخ مطيع: وكان توجهه كبيرا جدّا بالنسبة لي، ومن كراماته أنه قال لي: آخر دكة، أي آخر حمل منه، والولد الأخير لوالده، وكان يقول ذلك لي. ولم يأخذ عنه أحد بعدي، وكنت آخر تلاميذه.

فأخذ عن الشيخ أبي الخير الميداني الحديث الشريف والنحو والبلاغة والأدب وأجازه. وقد قرأ عليه الأربعين العجلونية في جلسات خاصة، وسمع منه سير الشيوخ والأعلام.

الحواشي:

1- نص الإجازة: بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك اللهم على متواتر آلائك، ونشكرك على مسلسل نعمائك، ونسألك متصل الصلوات والتسليمات، على المرفوع من بين المخلوقات، وعلى آله، المشهورة أخبارهم، وأصحابه المستفيضة آثارهم، أما بعد: فإن الإسناد من الدين، والآخذ به متمسك بالحبل المتين، فمن ثم عكف أهل العلم عليه، وتوجهت مطايا هممهم إليه، ولما كان منهم مولانا الشيخ عبد الوهاب بن المرحوم مولانا الأستاذ الشيخ عبد الرحيم دبس وزيت، وفقه الله تعالى لإرشاد العباد، وسهل لنا وله طرق السداد، آمين، طلب مني الإجازة، التي هي أمان عند اقتحام المفازة، ولست أهلا لأن أستجاز، وهل يقال بهذا الجواز، إلا أنه أحسن فيَ ظنه، أثابه الله تعالى على قصده الجنة، فأجزته بالمعقول والمنقول من فروع وأصول، والأحاديث الشريفة، والآثار المنيفة، التي اشتملت عليها الجوامع والمسانيد ذات الأنوار اللوامع، كما أجازني بذلك فضلاء العصر، وجهابذة مصر، منهم بحر الفضلاء، ومغترف الفحول و النبلاء، أفضل من عنه يتلقى العلامة الشبخ ابراهيم السقا، عن الإمام المهذب العلامة الشيخ ثعيلب، عن العلامة الشهاب الملوي ذي النور في الديجور، عن الامام الشيخ عبد الله بن سالم، صاحب الثبت المشهور، وعن العلامة الشيخ محمد الأمير، عن والده الشيخ الكبير، وقد حوى ثبته الأسانيد بما لا يحتاج الى مزيد، فروى صحيح الإمام البخاري عن العلامة الشيخ علي الصعيدي حال قراءته بالجامع الأزهر الشريف، عن الشيخ محمد عقيلة المكي، عن الشيخ حسن بن علي العجيمي، عن ابن العجل اليمني، عن الامام يحيى الطبري، قال: أخبرنا البرهان ابراهيم بن محمد بن صدقةالدمشقي، عن الشيخ عبد الرحمن بن عبد الأول الفرغاني، عن أبي عبد الرحمن محمد بن شاذان بخت الفرغاني، بسماعه لجميعه على الشيخ أبي لقمان بن مقبل شاهان الختلاني، عن محمدبن يوسف الفربري، عن جامعه، وروى صحيح مسلم عن الشيخ علي السقاط، عن الشيخ ابراهيم الفيومي، عن الشيخ أحمد الفرقاوي، عن الشيخ علي الأجهوري، عن الشيخ نور الدين على القرافي، عن الحافظ جلال الدين السيوطي، عن البلقيني، عن التنوخي، عن سليمان بن حمزة، عن أبي الحسن علي بن نصر، عن الحافظ عبد الرحمن بن منده، عن الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله، عن مكي النيسابوري، عن الامام مسلم . وأوصي حضرة الأستاذ المجاز، نظر الله تعالى بعين العناية اليه، بمجاهدة النفس، وتفريغ القلب عن الأغيار، وتطهيره عن سفاسف هذه الدار، وبملازمة الأذكار المأثورة، والأدعية المشهورة، والإكثار من الصلاة ولسلام على خير الأنام، مع المشاهدة المعنوية، المنتجة للمجالسة الحسية. و المرجو من الشيخ المذكور، ضاعف الله تعالى لنا وله الأجور، أن لا ينساني من دعوة صالحة، جعل الله تجارة الجميع رابحة، وأمدنا بالمدد الأسنى، وختم لنا بالحسنى . العبد الفقير اليه تعالى، محمد بدر الدين الحسني عفي عنه.

2- انظر ترجمته في مقدمة رسالته (هداية الرحمن إلى تجويد القرآن)، وتاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري 2/829-846.

3- وأعجب الشيخ عيسى بأدب تلميذه، وإخلاصه، وأحله في قلبه بمحل خاص حتى شهر ذلك عنه، وزوّجه من ابنته أم المريدين (أم عادل)، وكانت ثيبا، بترغيب من تلميذه الشيخ أمين الزملكاني، قائلا له: “احفظ عليها”. فحافظ عليها في حياته فلم يغضبها، ولم يتزوج عليها رغم أنه لم يرزق منها ذرية، في الوقت الذي كانت تعرض عليه البنات النسيبات الغنيات، قائلا: “ما ذنبها، الذنب ذنبي”، وكان يشاورها في أموره، وكان لا يدعو أحدًا إلى وليمة في البيت إلا إذا وافقت، ولم يتأفف منها برغم مرضها وفقدان بصرها لفترة من الزمن، وكان يتأدب معها تأدبه مع شيخه، محافظة على عهد الشيخ.

4- سنده في الحديث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ ابو الخير الميداني رحمه الله تعالى: أما بعد… فإني بفضل الله تعالى أروي صحيح البخاري عن شيخي الشيخ سليم المسوتي المتوفي 1324هـ، وهو يرويه عن شيخه علامة المنقول والمعقول الشيخ أحمد مسلم الكزبري المتوفي1299هـ، عن شيخه ووالده محدث الديار الشامية الشيخ عبد الرحمن الكزبري المتوفي في مكة1262هـ، عن شيخه ووالده الشيخ محمد شمس الدين الكزبري المتوفي1221هـ، عن شيخه ووالده الشيخ عبد الرحمن الكزبري الكبير المتوفي1185هـ عن شيخه الشيخ عبد الغني الناباسي المتوفي1143هـ عن شيخه الشيخ محمد نجم الدين الغزي المتوفي1061هـ عن شيخه ووالده الشيخ بدر الدين محمد الغزي المتوفي984هـ عن شيخه شيخ الاسلام القاضي زكريا الانصاري المتوفي926هـ عن شيخه خاتمة الحفاظ الشيخ أحمد بن حجر العسقلاني المتوفي852هـ عن شيخه الشيخ إبراهيم بن احمد التنوخي البعلي المتوفي800هـ عن شيخه مسند الدنيا المشهور بابن الشحنة الشيخ أحمد بن أبي طالب الحجار الدير مقرني الحنفي المتوفي730هـ عن شيخه الشيخ حسين بن المبارك الزبيدي المتوفي631هـ، عن شيخه الشيخ أبي الوقت عبد الاول بن عيسى السجزي الهروي الصوفي المتوفي553هـ، عن شيخه الشيخ عبد الرحمن الداودي المتوفي467هـ عن شيخه أبي محمد الشيخ عبد الله بن أحمد بن حمويه الحموي السرخسي المتوفي381هـ، عن شيخه الشيخ أبي عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري المتوفي320هـ عن مؤلفه أمير المؤمنين في الحديث ابي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري الجعفي المتوفي256هـ، عن مكي بن ابراهيم المتوفي215هـ عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الاكوع المتوفى 146هـ عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه المتوفي74هـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوفي11ه.

5- (مصادر ترجمته: إملاءات الشيخ محمد مطيع الحافظ، ورسالة للشيخ محمود الرنكوسي رحمه الله تعالى، وتاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري 2/720-739).