بسم الله الرحمن الرحيم
قالوا: ما معنى السنة؟ هي في الاصطلاح الطريقة التي سنَّها النبي صلى الله عليه وسلم وانتهجها في العبادات وسائر أمور الدين، ثم استمر عليها الخلفاء الراشدون المهديون وسائر الصحابة، ومن خَلَفَهم من أئمة التابعين وأتباعهم.
قالوا: ما معنى الحديث؟ هو الخبر المتضمن قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره أو صفة من صفاته أو شأنا من شؤونه.
فما النسبة بينهما؟ نسبة التطابق أو نسبة التباين؟
قلت: لا هذه ولا تلك، وإنما النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه، فبعض السنن حديث، كما أن بعض الحديث سنة، فالحديث أعم من السنة من وجه، والسنة أعم من الحديث من وجه، فما روي من كثير من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته حديث وليس بسنة، وما توارثه الفقهاء في الأمصار في القرون المشهود لها بالخير من كثير من الطرق المتبعة في الصلاة والزكاة والحج والأقضية والأحكام سنن، وما هي بالأحاديث والأخبار.
قالوا: ائت لنا بمثال.
قلت: الأمثلة كثيرة منتشرة في كتب الحديث والفقه،
قالوا: اشرحهما لنا بأمثلة متقابلة تميز بينهما تمييزا،
قلت:
من أمثلة السنة:
ما رواه مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال: قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إذا افتتح الصلاة. وقد أخرجه الشيخان وغيرهما من أئمة الحديث، ويؤيده حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله: “حمدني عبدي”.
ومنها ما رواه يحيى بن يحيى الليثي في الموطأ، قال: سمعت مالكا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إني لم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك خفته عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك.
ومنها ما أخرج أبو داود عن طاووس قال: سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال: ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: لم يصل أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، الركعتين قبل المغرب.
ومن أمثلة الحديث:
ما رواه النسائي في سننه، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب، حدثنا الليث، حدثنا خالد عن سعيد بن أبي هلال، عن نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن … وقال في الأخير: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها ما رواه مسلم في صحيحه، قال: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر جميعا عن إسماعيل قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني سعد بن سعيد بن قيس عن عمر بن ثابت بن الحارث الخزرجي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر.
ومنها ما رواه مسلم، قال: حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز وهو ابن صهيب عن أنس بن مالك قال: كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فيركعون ركعتين ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما،
وما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن الحسين عن عبد الله بن بريدة قال حدثني عبد الله المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة.
قالوا: إذا عارض حديث سنة فأيهما يقدم؟
قلت: السنة تقدم على الحديث، فما أوردنا من أمثلة السنن يرجح على الأحاديث التي أتبعناها.
قالوا: أو ليس يستلزم ذلك تكذيب الأخبار الصحيخة أو ردها من دون مسوغ؟
قلت: لا، لأن السنة هي بيان كتاب الله، وهي الطريقة المستمرة المتوارثة جيلا عن جيل في القرون المشهود لها بخير، والأخبار والأحاديث المعارضة للسنن مهما صحت تحتمل النسخ أو الخطأ أو نوعا من التأويل.
قالوا: وهل نص أئمة الهدى على ما ذهبت إليه؟
قلت: نعم ففي ترتيب المدارك 1/44: قال مالك: رأيت محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، وكان قاضيا، وكان أخوه عبد الله كثير الحديث، رجل صدق، فسمعت عبد الله إذا قضى محمد بالقضية، قد جاء فيها الحديث مخالفا للقضاء، يعاتبه، يقول له: ألم يأت في هذا حديث كذا؟ فيقول: بلى، فيقول له: فما لك لا تقضي به؟ فيقول: فأين الناس عنه؟ وفيه: قال ابن المعذل: سمعت إنسانا سأل ابن الماجشون: لم رويتم الحديث ثم تركتموه؟ قال: ليعلم أنا على علم تركناه”، قال ربيعة: ألف عن ألف خير من واحد عن واحد، وروي مثل ذلك عن إبراهيم النخعي ومالك بن أنس رحمهم الله تعالى.
قالوا: من الناس من جعل السنة والحديث مترادفين؟
قلت: قد فعل ولم يصب، فأخل بالفقه ومنهج الفقهاء إخلالا بينا.
قالوا: بيِّن لنا ذلك بيانا شافيًا.
قلت: قد فعلت في مقالي “بين الحديث والفقه”.
قالوا: هل نحتاج إلى الحديث لتوثيق السنن؟
قلت: نعم، فكلما نسب الناس سنة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه أو من بعدهم وجب أن يوثقوه بأنواع من التوثيق، ومنها طريق المحدثين، واعلموا أن توثيق السنن لا يقتصر منهجه على طريق المحدثين، وقد أوضحت ذلك في مقالاتي السابقة.