بقلم: محمد أكرم الندوي
بسم الله الرحمن الرحيم
أرادت امرأة أن تختبر ولدها الصغير، فألقت على بساط البيت ثمارا وفواكه وحلاوي في جانب، ودمى ولعبا في جانب آخر، وفلوسًا في جانب ثالث، وأقلامًا ودفاتر وكتبا في جانب رابع، وتركت ولدها على البساط جالسة على مقعد لترى أي خيار من هذه الخيارات الأربع يختاره ولدها، فمال الولد إلى الثمار وتناول بعضها، ثم جرى متنكرا لها إلى الدمى واللعب، وتلاعب بها قليلا، ثم تبرم بها وأقبل على الفلوس ينظر فيها ويعجب منها، ثم اتجه إلى الجانب الرابع وقلب الأوراق والأقلام، وأخيرًا أسرع إلى أمه مخلِّفًا كلَّ ذلك وراءه وجلس في أحضانها، فأدركت الأم أن ولدها كان له خيار خامس لم تحسبه.
وكذلك العالم كله مليء بالشهوات من المآكل والمشارب، والذهب والفضة والأموال، والمناصب والوظائف، والمناظر الجميلة والمشاهد الخلابة، ونقضي حياتنا مستمتعين بها وهاوين لها ومتكاثرين فيها، غير مهتدين إلى الخيار الحقيقي الذي يجب أن نختاره، وقد كان في أرض بابل قبل آلاف السنين رجل يسمى آزر، أعطي ولدُه مثلَ هذه الخيارات، عُرضت عليه أصنام جميلة وصور وتماثيل خلابة، وتجارة لهذه الأصنام تدر عليه بالمنافع والعوائد، ومناصب لدى الملك والسلطان، فقام إلى الأصنام، وكسرها، وزهد في نحتها وتجارتها واستهزأ بها، ورغب عن المناصب والوظائف وسخر منها، ولم يعجبه شيء على وجه الأرض، فرفع بصره إلى السماء، ورأى الكواكب والقمر والشمس، ولكنها كذلك أخفقت أن تستهوي أنظار هذا الولد الرشيد، وأن تستأسر فؤاده، فتولى عنها جميعًا قائلا قولا لم يسمع بمثله في تاريخ الكون كله، قائلا قولا حطّم كل قوة كاذبة تحطيما، ودمَّر مباني كل شوكة زائفة تدميرا، قال كلمة لا أعلم بعد “لا إله إلا الله” كلمة أصدق منها ولا أقوى منها، قال: “لا أحب الآفلين”، ثم جرى إلى ربه بقلب سليم مليئ بالحب له مناديًا بصوت استجاب له كل شيء في الخلق لصدقه ولموافقته طبيعة كل صغير وكبير في العالَمين، قال: إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين”.