بقلم: محمد أكرم الندوي
بسم الله الرحمن الرحيم
استأجر بعض العلماء منزلا من هندوكي في مدينة من مدن الهند الكبرى، يقيم فيه مع أهله وأولاده، ومرت سنون وهم فيه آمنون مطمئنون، إذ سألهم المؤجر الهندوكي يوما أن يخلوا المنزل فإنه يحتاج إلى أن يسكنه، فأخذ العالمَ هم كبير، وبحث عن منزل آخر يستأجره فلم يظفر ببغيته، ورجع إلى الهندوكي يستعطفه أن يُنظره إنظارا، ولم تزد استكانته الهندوكي إلا إلحاحا على الأجل الذي ضربه له، وقضى العالم أيامه مهموما حزينا يبحث عن بديل ولكن من دون جدوى، ولم يبق من الأجل إلا يوم واحد فضرع إليه أن يُمِد له في أجله، وأبى العلج أن يلين في موقفه، بل وهدده أن يخلي البيت غدا بقوة إذا لم ينتقل منه، فثاب إلى منزله وقد بلغ منه الذعر مبلغه، وقضى ليله يصلي ويدعو ربه مبتهلا خاشعا، لا يكتحل بنوم ولا يسكن منه دمع، وأصبح إلى بيت الهندوكي، ووجده وزوجته خارج البيت جالسين، فلما وافاهما قالا له: انتظرناك منذ الصباح، فعندنا بيت آخر ولسنا في عجل أن تخلي بيتنا، فامكث فيه ما بدا لك.
فيا رب لك الحمد، تجيب المضطر إذا دعاك، وكل يوم أنت في شأن، وفي كل وجه مضيق وجه منك منفرج، دعاك أبوانا آدم وحواء عليهما السلام إذ عصياك فبدت لهما سوءاتهما، فقالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، فغفرت لهما، واجتبيتهما برحمتك وجعلتهما من الصالحين، ودعاك نوح عليه السلام وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وصبر على أذاهم، وكان عبدا شكورا، وقال: رب إني مغلوب فانتصر، فنصرته على الكافرين وأغرقتهم أجمعين، ورحمت نوحا ومن معه ونجيتهم وباركت عليهم وأنت خير الراحمين.
ودعاك إبراهيم عليه السلام، فجعلت النار له بردا وسلاما، ودعاك أن تتقبل بناءه للبيت، فجعلته مثابة للناس وأمنا، ودعاك للبركة في ذريته فباركت فيهم، وآتيتهم من كل الثمرات، وبعثت فيهم رسولا منهم يتلو عليم آياتك ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، إنك أنت العزيز الحكيم.
ودعاك موسى عليه السلام قائلا: “رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير” فأجبته وأنعمت عليه بزوج وسكنى ومعيشة صالحة، ودعاك أيوب عليه السلام: “مسني الضر وأنت أرحم الراحمين”، فاستجبت له وكشفت ما به من ضر وآتيته أهله ومثلهم معهم، ودعاك ذو النون في الظلمات “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” فاستجبت له ونجيته من الغم، وكذلك تنجي المؤمنين.
يا من عجز الواصفون عن صفته، ويا من لم تزل له حجج قامت على خلقه بمعرفته، منك علي نعمة ضافية، وعزة من الحياة وافية، ومعيشة واسعة صافية، لم أحمدك حمدا تستحقه علي، ولم أشكرك شكرا يجب علي، ما قلت في فضلك شيئا إلا وفضلك فوق ما قلت، عرفتك ربِّ فلم أقنع بك، ونسيت ما عندك من الجزيل الكثير ولم أرض بك، وجهلتك سبحانك، وأنت أعلى يدا وأكبر، ما أغلقت بابك دوني، وما حرمتني كريم رزقك وعظيم فضلك، فلا منعم مثلك، ولا منان سواك، أعوذ بك يا ذا الجلال والإكرام من سخطك ونقمتك.
اللهم ربِّي عالم السر وكاشف الضر! إني إليك فزع، فأجبني، وضال فاهدني، وغوي فأرشدني، وجاهل فعلمني، وعاص يقطر رأسي من ماء الخطايا فأصلحني، ومشتت بالي فهدئ بالي، ومذعور فبدل خوفي سلما، وبارك لي في حياتي وعملي، وقدر لي الخير، واكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك، وآمن روعاتي، واستر عوراتي، ولا تجعل في قلبي غلا للذين آمنوا، وأعوذ بك من أن أتتبع عورات المسلمين وعثراتهم، وأسألك عيشا هنيئا بأخلاق مطهرة، وأن تجعلني هاديا مهديا، اللهم أحيني مسلما، وألحقني بالصالحين، واعف عن قبيح أفعالي يوم الجزاء، يا من ليس على بابه حجاب، وهو من خلقه سميع الدعاء.