أرك اللغات

Reading Time: < 1 minute

بقلم: محمد أكرم الندوي

بسم الله الرحمن الرحيم

قالوا: أخبرنا عن أفصح اللغات وأبينها ما هي؟

قلت: هي اللغة العربية التي نزل بها كتاب الله المجيد، ونطق بها رسولنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

قالوا: لا نرتاب في فصاحة كلام رب العالمين وما نطق به سيد المرسلين، ولكنا أردنا اللغة التي يتواصل بها عامة بني آدم،

قلت: العرب أقدر الأمم على الإفصاح والبيان وأرقاها عبارة وإعرابا، اختار الله لغتها لكتابه من بين سائر اللغات لتناهيها في البلاغة والجزالة والمتانة، وزادها التنزيل وجوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم تفوقا وكمالا في حذق وبراعة، وانظروا في الشعر الجاهلي، والشعر الإسلامي، ثم في كلام أبي تمام والمتنبي والبحتري وأبي العلاء، ثم في كتاب سيبويه، وأدب الكاتب لابن قتيبة، والكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني تجدوا فيها تصديق ما قلتم، وقد تصعد أشياء منها إلى ذروة الإعجاز في اتساع رواية وطلاقة لسان، وتصريف كلمات وإبداع معان، وسليقة نطق وروعة بيان.

قالوا: أخبرنا بكتابات تجلي لنا حقيقة تقدم اللغة العربية وسبقها.

قلت: راجعوا كتب البلاغة والبيان والمعاني، ولعل أعجب كتاب في الكشف عن محاسن لسان العرب هو كتاب أساليب القرآن للعلامة حميد الدين الفراهي رحمه الله تعالى، فقد كان مضطلعا باللغات العربية والأردية والفارسية والإنكليزية والعبرية متمكنا منها وعارفا بأسرارها ومكامنها، ففضل اللغة العربية على سائر اللغات عن علم وإنصاف وحجة، دون جهل أو عصبية وهوى.

قالوا: أخبرنا عن أرك اللغات وأضعفها عن البيان ما هي؟

قلت: هي اللغة التي ينطق بها السوقة في دول الخليج.

قالوا: تعني اللغة العربية التي يتواصل بها العمال الأسيويون في البلدان العربية؟

قلت: أبيت أن أسميها عربية، ولعنتُ من سماها هذه التسمية وبالغتُ في سبه وشتمه وتجديعه وتشنيعه، بل أبيت أن أسميها لغة، وإنها لوصمة عار على جبين البشرية، يفصل الحكماء اليونان وأتباعهم الإنسان عن سائر الحيوان بالنطق، فإن كان ما يلفظ به هؤلاء نطقا، فما لبني آدم فضل على البهائم.

قالوا: هل تعي دلالاتها؟

قلت: هي أعجز في دلالاتها وإشاراتها عن ألسنة الحيوانات،

قالوا: بالغت في ذمها،

قلت: لا، بل قارنوا بين هذه اللغة الخليجية القبيحة – لا بارك الله فيها – وبين ألسنة الحيوانات يتبين لكم وجه قولي، بل إن الحيوانات أحلى كلاما وأعذب صوتا وأنغم لهجة، أسمع صوت البلبل وتغريد الطيور فأطرب، وأسمع هذه اللغة الفاسدة الكريهة فتمجها أذناي، ويستبشعها عقلي، وينفر منها قلبي نفورا، وتتأذى منها روحي غاية التأذي، ووددت لو سُدت مسامعي فلا يدخل فيها شيء من هذه الأعجمية التي ما رأيت أرك منها وأضعف منها في سائر لغات العالمين، كلماتها مفككة محرفة مشوهة، وتركيبها مبطل لقوانين النظم، وأعراف التناسق والاتساق.

قالوا: أغلب من ذممت هم من بني جلدتك؟

قلت: ذاك الذي يضاعف من جروحي وآلامي، ويزيدني تفجعا وتحرقا، ويبعثني على البكاء والنحيب، وأن أقيم نياحة ومأتما.

قالوا: ما أثرها على العرب؟

قلت: أثَّرت فيهم أسوأ أثر، كدَّرت نطقهم وبلَّدت فهمهم وأفسدت ذوقهم إفسادا، فإن العرب، وقد ضعفوا عن حمل أمانة لغتهم المهذبة الراقية، زادهم احتكاكهم بالأعاجم تدهورا مهيبا في النطق، وعيًّا مشينا في النحو والإعراب.

قالوا: ما العلاج؟

قلت: العلاج أن تفتح مدارس ذات مستوى عال لتعليم اللغة العربية للعمال، ولا يسمح لهم بمحاكة العرب حتى يتدربوا على اللغة الفصحى نطقا، وأن يعاقب اللحانون عربهم وعجمهم بشر عقوبة،

قالوا: نعم ما اقترحت!

قلت: ولكن لا أرى لاقتراحي آذانا صاغية ولهمِّي قلوبا واعية.